العشرات من شباب بلدة عوريف يقبعون في غياهب سجون السلطة الفلسطينية التي لفّقت لهم تهمة "إحراق مركز أمني" بعد أن تضامنوا مع غزة والقدس خلال معركة سيف القدس، في حين لا يزال عدد كبير منهم مطاردون ومطلوبون لـ"أمن السلطة"، الأمر الذي قلب حياتهم وحياة عائلاتهم رأساً على عقب.
وتستمر السلطة في المماطلة في حل ملفهم، الأمر الذي يثير مخاوف ذويهم بعد قتل الناشط السياسي نزار بنات على يد عناصر أمنية.
الخوف من الاعتقال
التضامن مع غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، أضحى بالنسبة للسلطة تهمة ألقت في إثرها 25 شابًّا من قرية عوريف قضاء نابلس في غياهب سجونها دون أن يلوح في الأفق أمل للإفراج عنهم.
ولتبرير اعتقالها هؤلاء الشباب، ادّعت السلطة أنهم قاموا بأعمال تخريب في أثناء معركة "سيف القدس"، في حين يؤكد ذووهم أن تهمتهم هي المشاركة في مسيرات تضامنية مع غزة، معربين عن خشيتهم من أن يتسلموهم جثثًا كما حدث مع الناشط السياسي نزار بنات الذي اغتالته السلطة في الرابع والعشرين من يونيو الماضي.
التعذيب الوحشي الذي تعرض له شباب عوريف الذين ألقت السلطة القبض عليهم، والخشية من الموت في أقبية التحقيق، جعل نجلا المواطنة "سائدة الصفدي" يتركان المنزل ويهيمان في الأرجاء مقررين عدم العودة دون وجود ضمانات من السلطة بعدم اعتقالهما.
الأم الأرملة منذ سبعة سنوات وتعمل آذنة مدرسة وكان ابناها إدريس "16 عاماً" وأسيد "18 عاماً" يساعدانها جزئياً في إعالة أسرتها، لم تعد تذوق طعم النوم ولا الراحة منذ نهاية رمضان الفائت.
القلق يتملك قلبها على مصير ولديها، إذ إن آخر ما قاله لها إدريس قبل أن يغادر المنزل: "إذا اعتقلوني سأشنق نفسي"، مؤكداً لها أنه لم يفعل شيئاً سوى المشاركة في مسيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي تزامناً مع الأحداث في غزة والضفة ثم تشييع شهيد سقط في أثناء تلك المواجهات.
تقول لصحيفة "فلسطين": "أكد لي أن الشباب لم يحرقوا المركز الأمني وإنما وجدوا النيران تتصاعد منه وهم عائدون"، مشيرة إلى أن أبناءها ما زالوا صغاراً ولا ينتمون لأي تنظيم سياسي.
وتضيف: "ذهبت للقاء نائب مدير الأمن الوقائي يحيى الجمال الذي أكد أن الحل يجب أن يكون جماعياً من قبل أهل عوريف (...) حالياً قرر أهل القرية دفع 200 ألف شيكل تعويضًا للمركز، طرقتُ كل الأبواب حتى أؤمِّن 2500 شيكل لكي أساهم معهم".
وتشير إلى أن قلبها "محروق" على مصير أبنائها الذين لم يعرفوا بعدُ من الدنيا شيئاً، تقول: "أنا مستعدة لأن أذهب لرئيس السلطة محمود عباس وأطلب منه قتل ابني وإعدامه على ألا يُعتقَل ويُعرَّض للتعذيب القاسي في سجون السلطة".
وتضيف: "أفضل أن يموت ابني على أن يضرب وتهان كرامته ويتعرض لما تعرض له أبناء عوريف المعتقلون الذين أضرب عدد منهم عن الطعام من شدة سوء المعاملة التي يتعرضون لها".
وتتابع: "حتى لو افترضنا أن الشباب أخطؤوا، أيكون الحل بقتلهم نفسياً وتعذيبهم، وتحويلهم لمرضى نفسيين في سجن أريحا؟ أهذه السلطة التي أردناها وفرحنا لمجيئها لأرض الوطن؟!".
في حين رفضت صديقة الصفدي والدة المعتقلين في سجون السلطة في القضية ذاتها، "سيف ومحمد"، التحدث حول وضع أبنائها خشية أن يؤثر الحديث للإعلام سلبيًا عليهما، متمنية أن يفلح رجال الإصلاح في حل قضيتهم بأسرع وقت ممكن.
انتكاسة كبيرة
وأبدى النائب في المجلس التشريعي عبد الرحمن زيدان أسفه لكون الوضع الداخلي الفلسطيني بالضفة ابتعد كثيراً عن أجواء المصالحة الوطنية، قائلاً:" هناك انتكاسة كبيرة خاصة بعد قتل الناشط السياسي نزار بنات على أيدي أمن السلطة والاعتداءات الكبيرة التي مارسها الأمن ذاته على المسيرات والاحتجاجات الشعبية على القتل الوحشي لنزار".
وأكد زيدان لصحيفة "فلسطين" أن الاعتقالات السياسية التي تمارسها السلطة ازدادت وتيرتها بعد قتل بنات بحجة أن المتظاهرين أجرموا بمطالبتهم برحيل السلطة ورئيسها، هذا بجانب الاعتقالات الناتجة عن التنسيق الأمني على خلفية المقاومة ضد الاحتلال.
وقال: "لا يوجد نية لدى السلطة لتصحيح المسار، بل تصاعدت في اعتداءاتها على الحريات والصحفيين، وكل مظاهر القمع وتكميم الأفواه، التي من أحدها الاعتقال السياسي".
واستشهد على ذلك بما فعلته السلطة في عوريف، قائلاً: "للأسف هذه القضية طال أمدها، ومعاناة المعتقلين تتزايد، حيث إن بعضهم دخل في إضرابات عن الطعام للتعذيب الوحشي الذي تعرض له، ورغم تأكيد جهات حقوقية عدم ضلوع المعتقلين في حادثة حرق المركز".
وأضاف: "لا بد من وضع حد لممارسات السلطة، فاستمرار الاحتقان والتوتر لا يخدمها، و"العصا الأمنية" وزيادة الضغط على الناس الناقمين على كل سياساتها، وظهر ذلك في الحراكات الأخيرة، حيث تصاعد المطلب الشعبي حتى حد المطالبة بإقالة رئيس السلطة وحكومته دون أي تحفظات".