للمرة الأولى منذ تشكيل حكومة محمد اشتية قبل نحو عامين ونصف، يُقدِم رئيس الحكومة (الانفصالية)على تغييرٍ وزاري في حكومته يطال عدة وزارات، وقد يعلن هذا التغيير في أي وقت، وذلك بعد أن تم تحديد المرشحين والالتقاء بهم، وإبلاغ الوزراء الذين سيغادرون الحكومة.
ويشمل هذا التعديل تعيين وزيرين أحدهما للداخلية والآخر للأوقاف والشؤون الدينية بعد أن بقي هذان المنصبان شاغرين في المدة السابقة، وبقيت مسؤولية المتابعة فيهما طرف رئيس الحكومة، كما يتضمن التعديل: وزارات التعليم العالي والصحة والحكم المحلي والعدل. في حين لن يطال هذا التغيير أو التعديل وزارات أخرى منها: وزارة الخارجية، ووزارة الاقتصاد الوطني، ووزارة التنمية الاجتماعية.
هذه الحكومة الانفصالية (وُلِدت مشوهة) بالأساس، وكرست حالة التفرد والانفصال، فقد شُكِّلت على مقاس رئيس السلطة، وحُدِّد وزراؤها في ضوء اختيارات قيادة حركة فتح، التي لم تسعَ بأي صورة لإشراك الكل الوطني في تفاصيل تشكيلها وبرنامج عملها الوطني، والسياسي، والخدماتي، ومن ثَم أنتجت واقعا مأساويا في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
فأصبح شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة يعاني بسبب هذه الحكومة بعد أن مارست "التمييز على أساس جغرافي" في كل شيء، ومن ذلك الانتقائية في تقديم الخدمات، ومحدودية الميزانيات التي تُرصد للقطاع، فضلا عن الإهمال الواضح في المجال الصحي، والاقتصادي، والإغاثي وغيره، بخلاف ما يقدم لمحافظات الضفة، وقد كرست هذه الحكومة ثقافة وسياسة أن الضفة هي كل الوطن، وأن غزة غريبة ومتمردة يجب إذلالها ومعاقبتها.
وعلى الرغم من ذلك فإنها أيضا لم تُلَبِّ تطلعات أهلنا في الضفة الغربية نتيجة الانتكاسات التي مُنيت بها أمام أبرز التحديات الصحية (ملف كورونا)، وفقدانها أدنى مصداقية فيما يتعلق بملفات النهب والفساد والاستيلاء على المال العام والتربح من وراء المنصب، وحتى في القطاع الأمني فقد تورطت في ارتكاب جرائم فظيعة كان منها قتل الناشط والمعارض السياسي نزار بنات على يد قوى الأمن الفلسطيني التي يُشرِفُ عليها اشتية.
هذه الانتكاسات لم تكن في وزارات بعينها، فجميع هذه الوزارات كانت أجندتها وبرامجها واضحة؛ وهي خدمة المصالح الخاصة على حساب مصالح شعبنا، ففي الوقت الذي كانت تُقلَّص فيه المصروفات، وتُخفَض نسبة الإنفاق على المشاريع والخدمات، ويُنزَل سقف الرواتب لأدنى مستوى، كانت هناك تأشيرات بالصرف وبمبالغ طائلة لأغراض شخصية منها: السفر، والإقامة الفندقية، والعلاج، والتعليم، والرحلات الخاصة، والمشاركة في مناسبات خارجية، وغيرها كلها حصرية لقيادات وكوادر السلطة وأبنائهم.
لكن أخطر ما تورطت به هذه الحكومة هو الاستمرار في تطبيق الالتزامات الأمنية بحذافيرها مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال (التعاون الأمني) الذي أدى إلى تقويض نشاط المقاومة في الضفة والتسبب بقتل واعتقال عشرات المطلوبين، فضلا عن تدفق المعلومات عن المقاومة، وكان آخره الجريمة الإسرائيلية في جنين وارتقاء عدد من الشهداء، إذ كشف الإعلام العبري أن الأجهزة الأمنية في الضفة كان لديها علم بمهمة الجيش في جنين.
ولو عدنا للوراء قليلا وخصوصا قبل أشهر في أثناء معركة سيف القدس التي سطّرت فيها المقاومة فعلًا أسطوريًّا وهي تدافع بعظامها ولحمها وبما أوتيت من قوة عن القدس والأقصى في مواجهة الآلة الحربية الإسرائيلية، لوجدنا وزارة الخارجية برئاسة (رياض المالكي) التي لن "يطالها التعديل المرتقب"، لم تُلَبِّ الحد الأدنى من مهامها في وقت المعركة إلا من تصريحات مترددة وخجولة، في وقت كانت فيه قوات الاحتلال تستهدف القطاع بوحشية مدمرة.
في حين كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية تُشكِّل الطواقم والفرق الخاصة للتواصل مع الإعلام والسفارات والقنصليات، وكل المؤسسات والهيئات الدولية الفاعلة، ولا تتوقف عن التقاء المسؤولين الدوليين، وتُواصل إرسال البرقيات، وتُجري الاتصالات بالزعماء، وذلك لشرح الموقف الإسرائيلي، وتبرير العدوان، وشيطنة المقاومة، والحصول على الدعم الإضافي سياسيا وعسكريا وماليا.
فكان هذا (سقوطا مدويا) لوزارة الخارجية، كما سقطت بقية الوزارات التي يطول الحديث عنها وعن خيباتها الثقيلة، في حين بقي اشتية يخرج للإعلام وينشر الأكاذيب حول تضامنه مع القطاع، وحين انتهت المعركة لم يكن ضمن أجندة عمله زيارة غزة، إنما كان همه تشكيل فريق برئاسته "لنهب أموال الإعمار" عبر التحرك خارجيا للتسول على حساب غزة، عله يخرج من أزماته الاقتصادية، ويستغل ذلك في إقامة مشروعات جديدة في الضفة، لكن هذا الدور كان مفضوحًا، ومُني بالفشل ولم يَلقَ (إجابةً تُطرِب آذانه) من الداعمين، وعاد خائبا يضرب كفيه على ضياع الفرصة.
لذلك فإن الحديث عن إجراء تعديلات وزارية لا يحمل أي قيمة من النواحي السياسية، ولا يعزز بأي صورة الموقف الوطني. والتعديل هو تكريس واضح للانفصال، واستمرار لنهج سرقة السلطة والتفرد بمصير الشعب الفلسطيني، ولن يحقق أي شرعية لهذه الحكومة في ظل حالة الرفض الوطني والشعبي لتشكيلها ولكل ما ينتج عنها سواء من سياسات أو حتى تعديل شكلي لن يكون مثمرا في معالجة الأزمات الفلسطينية المتفاقمة.
لكن هذه الخطوات تؤكد مجددا أن قيادة السلطة وحركة فتح لا تريدان إحداث اختراق حقيقي، ولا ترغبان في معالجة الأزمات الفلسطينية، وليس لديها أي استعداد لبناء نظام سياسي قوي وشفاف يشارك فيه كل مكونات شعبنا، فما دمنا نغرِّد بعيدا عن إصلاح المنظمة ونعطِّل الانتخابات في المجلس الوطني والتشريعي والرئاسي، فإننا متوجهون وبوضوح لإغراق المشهد الفلسطيني في مستنقع التيه مجددا، والانحراف في مسار خطِر ربما تكون عواقبه خطِرة وغير مسبوقة، وعليه فليوقفوا هذه المسرحية الهزلية، وليسعوا إلى خطوات أكثر عقلانية لإنقاذ المشهد الوطني.