مخيم تل الزعتر هو تلك البقعة اللبنانية من مدينة بيروت التي أضعف خاصرتها الحصار، ودكّتها أكثر من 55 ألف قذيفة، لتحيل آلاف أجساد اللاجئين إلى فتات.
تسونامي قذائف ورصاصات قناصة ظلت تتساقط كالأمطار بلا انقطاع على مدى 52 يوما متتالية على المخيم؛ ليشهد مجزرة إبادة جماعية بحق الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في عام 1976 نفذتها 4 أطراف من كتائب ومليشيا لبنانية إبان الحرب الأهلية.
فوهات مدافع ودبابات "تي 54" السوفيتية وكذلك "سوبر شيرمان" "الإسرائيلية" ظلت موجهة نحو المخيم، بعد أن فشلت كل محاولات حصاره وقطع المياه والطعام عنه، فكان القرار دكَّه وطحنَ عظام الأبرياء داخله حتى سالت الدماء كالأنهار في شوارعه.
4280 شهيداً وآلاف الجرحى وقصص مرعبة لعمليات الذبح الجماعية للاجئين، كانت ضريبة مشروع الإبادة التي انتهت على إثرها المعركة في 12 آب (أغسطس) 1976 باحتلال المخيم.
تأسيس وازدهار
مخيم تل الزعتر الذي تأسس عام 1949 بعد عام على النكبة، يقع في المنطقة الشرقية الشمالية من مدينة بيروت، ومساحته كيلومتر مربع واحد.
تميز المخيم في ذلك الوقت بالنشاط الزراعي الذي ازدهر نسبيًّا في تلك المنطقة التي اشتهرت خاصةً ببساتين الحمضيات والخضروات.
اشتغل قسم كبير من سكان المخيم في الزراعة، وبحلول عام 1968 تقلص النشاط الزراعي، وصارت المنطقة الشرقية الشمالية من بيروت أهم مناطق لبنان الصناعية على الإطلاق.
كان طبيعيًّا أن يقترن بالتطور الكبير للمنطقة المحيطة بالمخيم، تطور ديمغرافي مهم داخل المخيم ذاته، حيث راح عدد السكان يرتفع من 400 نسمة في عام 1950 إلى 3 آلاف نسمة في 1955، ثم حوالي 6600 في 1960/1961، إلى 13100 في 1970/1971، ثم حوالي 14200 في 1971/1972، إلى أن وصل قُبيل مهاجمته عام 1976 إلى حوالي 20 ألف فلسطيني و10 آلاف لبناني.
في يناير عام 1976، وإبان الحرب الأهلية اللبنانية بدأ الحصار الفعلي لمخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين من الميليشيات اليمينية اللبنانية، إلى أن بدأ هجوم واسع لميلشيا "النمور" التابعة لكميل شمعون، في 20 حزيران (يونيو) على المخيم وعلى التجمعين المجاورين له، جسر الباشا والنبعة.
وانضم للمهاجمين أيضا في تلك المجزرة بجانب "نمور الأحرار وزعيمها كميل شمعون"، كل من "الكتائب اللبنانية بزعامة بيير الجميل، وحراس الأرز وزعيمها اتيان صقر أبو ارز والشبيبة اللبنانية، حيث بدأت القذائف والصواريخ تمطر على المخيم بلا انقطاع من الفجر إلى المغيب وعلى مدى 52 يوماً متتالية، حيث يُقدر عدد القذائف التي سقطت على تل الزعتر بحوالي 55000 قذيفة.
في اليوم الأول سقطت حوالي 5000 قذيفة على المخيم، فدمرت ما يقرب من 70 بالمائة من بيوته.
في 1 تموز (يوليو) حاولت الفصائل الفلسطينية فك الحصار عن تل الزعتر، لكن دخول قوى إقليمية على خط المعركة أفشل الهجوم، الذي تكرر في 4 تموز (يوليو)، لكنه لم يُكتب له النجاح للأسباب نفسها.
وفي منتصف تموز (يوليو) استطاع 75 متطوعاً فدائياً الوصول إلى المخيم، وإدخال نحو 100 قذيفة صاروخية مضادة للدبابات من طراز "أر بي جي"، لكن بدأ محيط الدفاع عن المخيم يتقلص بالتدريج، نتيجة الدعم الذي تلقته مجموعات الميليشيات المهاجمة.
لم يكن لدى المخيم كله، في نهاية حزيران (يونيو)، سوى ثلاثة مصادر للمياه، تقلصت إلى أنبوب مياه صالح واحد، ابتداء من 14 تموز (يوليو)، وكان هذا الأنبوب يقع عند الخط الأمامي، الأمر الذي عرّض ما يقرب من 25 لاجئاً للقتل بنيران القناصة.
انتشرت حالات سوء التغذية والجفاف بين الأطفال، في حين قضت "الغرغرينا والكزاز والنزيف" على عدد متزايد من الضحايا بعد نفاد المضادات الحيوية والأمصال، الأمر الذي أجبر الأطباء على اللجوء بكثرة إلى عمليات بتر الأطراف المصابة.
بسبب المجاعة التي وقعت على أهالي المخيم بسبب الحصار الذي استمر عدة أشهر؛ طلب الفلسطينيون في تل الزعتر من علماء المسلمين فتوى تبيحُ أكلَ جثثِ الشهداء كي لا يموتوا جوعاً.
في 12 تموز(يوليو) قتلت الميلشيات المهاجمة 90 مدنياً بعد استيلائها على عدة مبان.
وفي 21 تموز(يوليو) منعت ميلشيا كميل شمعون تنفيذ خطة إجلاء 100 جريح من تل الزعتر.
وفي 24 تموز (يوليو) قصفت الميليشيات مخيم تل الزعتر بقذائف دبابات "سوبر شيرمان" التي سلمتها "إسرائيل" حديثاً لتلك الميلشيات، فاستشهد 250 مدنياً فلسطينياً كانوا متحصنين في أحد المباني.
بعد مفاوضات، وتدخلات دولية، سُمح في 3 آب (أغسطس)، بإخلاء 334 جريحاً إلى بيروت الغربية، تبعهم 500 طفل في اليوم التالي.
في العاشر من آب (أغسطس) فقد المخيم أنبوب المياه الحيوي الأخير، وفي ذلك اليوم خرج 3000 مدني من المخيم، وتبعهم بعد يومين بقية السكان الذين يتراوح عددهم بين 9000 و12000.
أمرت قيادة الدفاع عن المخيم من تبقى من المقاتلين بأن ينتقوا طريقهم عبر وادي نهر بيروت، تحت غطاء مدفعي، وتمكن 3000 رجل وامرأة من الوصول إلى مدينة عالية سالمين، بعد أن فقدوا الكثيرين أثناء الطريق.
في صبيحة 12 آب (أغسطس) أذاعت مكبرات تابعة لحزب الكتائب بنود الاتفاق الذي يمنع التعرض للمدنيين أثناء الخروج، لكن ما بين 1000 و2000 مدني قتلوا رمياً بالرصاص أو قُطّعوا إرباً.
ووصلت الجرافات وأزالت المخيم، وبلغ عدد الشهداء أثناء الحصار 4280 شهيداً غالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال وكبار السن، في حين سقطت على المخيم حوالي 55000 قذيفة.
سوّت الجرافات المخيم؛ لكنها لن تهيل التراب على مأساة تأبى النسيان وتروي قصصًا سوداء عن مجزرة إبادة جماعية ستظل عالقة في الذاكرة ضمن صفحات كتاب المجازر التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون.