حوادث إطلاق النار وقتل المواطنين في مدن الضفة الغربية ربما باتت أخباراً اعتياديةً للمواطن، لكونها تتكرر يومياً عبر وسائل الإعلام، وهو ما يعكس حالة الفلتان الأمني وانتشار فوضى السلاح في أيدي شخصيات متنفذة تتبع للسلطة الفلسطينية.
وقُتل مواطن يبلغ من العمر (32عاماً)، أمس، من جراء إطلاق نار في بلدة السيلة الحارثية غربي مدينة جنين، وسبقه بيوم واحد فقط تعرض مبنى المقاطعة برام الله لإطلاق نار احتجاجا على مصادرة مركبة غير قانونية لأسرة الشهيد جميل العموري.
ولم يكن الهجوم على مقر المقاطعة الأول، فقد تعرض في أوقات سابقة لإطلاق نار من مسلحين لأسباب مختلفة.
ومنذ مدة تشهد مدن الضفة حالة من الفوضى والفلتان الأمني، إذ عاشت مدينة الخليل قبل عدة أيام حالة من الفوضى وحرق المركبات والمحلات التجارية بعد حادثة قتل الشاب باسل الجعبري (39 عاما).
كما قُتل المستشار القانوني للمالية العسكرية عكرمة مهنا بإطلاق نار عليه داخل منزله في دير الغصون بطولكرم، يُضاف إلى ذلك تفشي ظاهرة إطلاق النار بكثافة في المناسبات والمسيرات والجنازات.
وفي آخر إحصائية أُصدرت في 14 تموز/يوليو، أعلن الناطق باسم الشرطة لؤي ارزيقات أن نسبة الجريمة في الضفة الغربية ارتفعت بنسبة 40% منذ بداية عام 2021 حتى حزيران، في حين ارتفعت جريمة القتل بنسبة 69% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2020.
غياب السلطة
ورأى الكاتب السياسي عدنان الصباح أن غياب الدور الفعلي للسلطة هو السبب الرئيس الذي رفع وتيرة الفلتان الأمني في مدن الضفة، إضافة إلى حيازة السلاح من أشخاص متنفذين يتمتعون بحماية من شخصيات وازنة.
وأوضح الصباح في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن السلطة تتعامل مع القانون بمزاجية وموسمية، مستدلاً بذلك على قضية مطاردة السيارات والدراجات النارية المسروقة غير المرخصة بين الفترة والأخرى.
وبيّن أن هذا الأسلوب في التعامل مع القضايا يخلق حالة من التوتر بين الشبان وأجهزة السلطة، منبّهاً إلى أن ضعف السلطة وسكوتها على الفوضى والانفلات يدفعان الشبان للتجرؤ عليها.
وعدَّ أن ما يجري في مدن الضفة "ليس صدفة" إنما يهدف لتدمير نفسية المواطن وغياب الأمن والأمان، ما يتسبب بضعف قدرة المواطنين على مواجهة الاحتلال.
وعزا الصباح الفلتان الأمني إلى تغييب سلطة المجلس التشريعي وتعطيل القضاء بشكل كبير، والصراع القائم بين نقابة المحامين والقضاء، "فلا يوجد تناغم بين مؤسسات الدولة".
وحمّل مسؤولية ما يجري في الضفة لكل الفلسطينيين، وفي مقدمتها المؤسسة الرسمية التابعة للسلطة ومنظمة التحرير والقوى الوطنية.
وشدد الصباح على أنه "إذا تُركت الأمور في الضفة دون وضع إستراتيجية ناظمة لضبط الحالة فإن المجتمع الفلسطيني ذاهب نحو التدمير وانعدام الأمن، خاصة في ظل استمرار الاحتلال في تنفيذ خطته بفصل الضفة وإثارة النعرات والخلافات الداخلية".
معضلة كبيرة
وعد اللواء العسكري المتقاعد يوسف الشرقاوي ما يجري في الضفة "فلتانا أمنيا وانفلاتا للسلاح في أيدي متنفذين"، معتبراً ذلك معضلة كبيرة بحاجة إلى حل جذري.
وشدد الشرقاوي خلال حديثه مع "فلسطين"، على أن "الفلتان معضلة خطرة تهدد الشعب الفلسطيني في المرحلة القريبة القادمة"، لافتاً إلى أن السلاح منتشر في أيدي متنفذين أقوياء وسط صمت إسرائيلي على ما يجري بمدن الضفة.
ورأى أن تغييب القضاء وضعف أجهزة السلطة شكَّلا سبباً رئيساً لتفشي هذه الظاهرة، مؤكداً أنها تؤثر في الأمن الأهلي والسلم الاجتماعي للمواطن ومصداقية السلطة في قدرتها على قيادة المجتمع.
وبيّن أن انفلات السلاح في الضفة يقضي على آمال الفلسطينيين بتحقيق أحلامهم بدولة مستقلة، وفق تعبيره.
وحمَّل المسؤولية بالدرجة الأولى للسلطة وحركة "فتح" لما يجري في مدن الضفة، قائلا: "دم المواطن لا يمكن العبث به، وهذا دليل على فشل الأداء العام للسلطة، وحالياً المواطن لا يشعر بأي أمن وأمان".
وأوضح الشرقاوي أن المواطن الفلسطيني بات ينظر للسلطة أنها "مليشيات فقط، "وهذا أمر مقلق"، محذراً من أن الفوضى الحالية "مدروسة بعناية"، حتى يفقد الفلسطيني الأمل بمستقبل مشرق.
تجدر الإشارة إلى أن عدد أفراد المؤسسة الأمنية بالضفة الغريبة يبلغ 53 ألفاً، إذ تستحوذ على نحو 20% من موازنة السلطة بقيمة مليار دولار، معظمها يذهب للرواتب، متقدمة بذلك على قطاعات الصحة والتعليم.