مع بروز حالة المقاومة الشعبية في بلدة بيتا، والقرى المجاورة، في إطار هدفها لإفشال إنشاء بؤرة استيطانية على جبل صبيح، ومع تحقق إنجاز عملي قبل نحو شهر من الآن، تمثّل بتفكيك الوحدات الاستيطانية التي أنشئت مؤخرا، سعت حركة فتح في الضفة الغربية إلى تجيير هذه الحالة المقاومة لنفسها، والادعاء بأنها من تقف خلفها بمستوياتها المختلفة، مع تعمّد المبالغة في إبراز رمزيات الحركة وراياتها الخاصة في جنازات تشييع الشهداء وتأبينهم، على أمل إيهام المتابع بالرسالة التي تتضمنها الصورة الإعلامية، وتسجيل هذه الحالة المقاومة إنجازاً لمشروع حركة فتح والسلطة.
عمليًّا، ليست هذه المحاولة الوحيدة لركوب موجة الفعل المقاوم، فتاريخيًّا اشتهرت حركة فتح بتبنيها عمليات غيرها العسكرية، وادعاء وقوفها خلفها، ونشر بيانات مفبركة حول تفاصيلها، ولعل انتفاضة الأقصى شهدت عشرات عمليات التبني المكذوبة لعمليات نفّذتها فصائل أخرى.
ومع تبدّل الأحوال سياسيًّا وميدانيًّا، ووقوع طلاق بائن بين حركة فتح والعمل المسلّح، ثم مطالبة الحركة غيرها من فصائل وجماهير بالتركيز على المقاومة الشعبية السلمية، وجدت الحركة ضالتها في تبني حالات المقاومة والصمود الشعبي في أكثر من مكان في القدس والضفة الغربية، بل إن مسيرات العودة على حدود غزة التي انطلقت عام 2018 لم تسلم من محاولات التجيير لصالح مشروع فتح أو على الأقل مزايداتها السياسية.
اللافت هنا أن الحركة لا تسعى لصناعة وابتكار فعل مقاوم شعبي، تضخ فيه طاقتها وإمكاناتها المختلفة، لكونها الجهة المسيطرة على الضفة الغربية، ولديها من الإمكانات والرصيد البشري ما يمكنها من صناعة حالة مقاومة شعبية دائمة، لو أرادت، ولو كانت معنية بذلك، بل إنها تكتفي بالمتابعة عن بعد، ثم تتدخل لتبني الفعل الشعبي في أي منطقة بعد نجاحه، أو بعد غدوّه رمزاً يحظى بالتأييد والمباركة. حدث هذا في هبتي باب الأسباط ثم باب الرحمة، وفي أحداث الشيخ جراح وباب العمود، والمرابَطة داخل المسجد الأقصى، قبيل معركة سيف القدس، ورغم أن هذه الأحداث تحديداً لم يكن لحركة فتح إسهام ملموس فيها، فإن ذلك لم يمنع الحركة من ادعاء تحريكها، وذلك بعد معاينتها آثارها، على الأرض وفي الوعي الجمعي، وفي صدى التغطية الإعلامية.
وفي بيتا وغيرها من مناطق المواجهة ذات الديمومة والإبداع في الضفة اليوم، تكرر حركة فتح سلوكها ذاته، وهو السطو على المنجز، وادعاء الاحتكار، وسرقة ونفي جهود الآخرين، مع أن مقاومة بيتا والقرى المجاورة عابرة للعناوين الفصائلية والشعبية، وتنتظم فيها قطاعات عريضة من الجمهور هناك من جميع الفصائل والمسميات، وكثيرًا ما تُظهِر مقابلات مع الفاعلين الميدانيين في تلك المقاومة، أن عناصرها ضد مشروع التسوية، ومؤمنون بنهج المقاومة الذي يستظلون بما منحهم من دفعة معنوية وتعبوية، وخصوصاً بعد معركة سيف القدس، وعبر محاكاة أنماط مقاومة شعبية مستقاة من تجربة مسيرات العودة على حدود غزة.
تدرك حركة فتح أن محاولاتها تجيير الفعل الشعبي لنفسها يمكن أن تفرغه من مضمونه على المدى البعيد، لكنها لا تكترث لهذا، لأن ما يهمها حصراً هو صنع مكان لاسمها على خريطة الفعل الشعبي المقاوم، حتى لو كان مكاناً زائفاً ومدّعىً، وحتى لو كان سلوكها الطبيعي يقول إنها تناوئ فعل مواجهة الاحتلال، وتُعنى بإدامة حالة اليأس والركود في الضفة الغربية، لكنها محاولات لتعويض نقص الإفلاس، سياسيًا وبرامجيًا، وشعبيًا وميدانيًا.
بقدر براعة حركة فتح في تصدير صورة توحي برعايتها الفعل الشعبي، فإنها عمليًّا امتهنت دوراً يقوم على كسر إرادة الجمهور وتيئيسه، وإشعاره باستحالة التغيير وبحتمية الرضوخ لواقعَي الاحتلال والسلطة، وهي لديها قدرة عجيبة على امتهان الدورين، بقدر خلوّ وفاضها من الإنجازات الحقيقية، والمنبثقة من مشروعها.