إن من مبادئ الأخلاق الكريمة التي يدعو إليها الإسلام وأعظمها شأناً «العفو عند المقدرة»، فإن العفو من شيم الرجال الكرام
حيث يقول تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) ويقول سبحانه: (وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم).
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد صفح عن قريش عندما مكنه الله منهم وأصبحوا أذلاء تحت يديه فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. قال عقبة بن عامر رضي الله عنه لقيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فابتدأته: فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواصل الأعمال. فقال: «يا عقبة صل من قطعك واعط من حرمك، واعرض عمن ظلمك».
فلا شك أن العفو عند المقدرة له فوائد عظيمة فمن ذلك رضا الله، وهو المقصد الأول والمطلوب، وثناء الناس وتوقيرهم وإجلالهم لصاحب العفو، ولعل صاحب العفو يقع في خطأ فيناله مثلما فعل من العفو.
وإن تجليات ذلك ما حصل منذ أيام من حالة العفو في مدينة بيت لاهيا التي قامت بها عائلة سلمان الكريمة بالعفو عن ابن عائلة المصري الكريمة بعد حادثة الدهس الأليمة التي حصلت منذ أيام، وأدت إلى وفاة طفل في عائلة سلمان.
فكان العفو والصفح والبركة والخير في هذا الموقف الأصيل الذي شهد له الجميع، فكان نموذجاً فريداً في تأصيل مكارم الأخلاق والشجاعة، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، فكان خلق النبوة الذي تحلت به هذه العائلة الأصيلة، والتي نالوا من خلالها الرفعة في الدنيا بإعزاز الناس لهم وتوقيرهم، وفي الآخرة الأجر العظيم بإذن الله تعالى؛ لأن ذلك من الإحسان الذي يحبه الله تعالى ويرضاه.
إن الغاية المثالية للفقه الإسلامي هو تغليب مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد دون أن يصل إلى حد إذابة كيان الفرد في سبيل المجتمع فهو الذي يراعي مصلحة المجتمع فينظمه على أساس من الأخوة والتكافل الاجتماعي.
والإسلام دين الحق والعدالة والرحمة والتسامح والعفو وبعيد كل البعد عن القسوة يقول تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ويقول تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). والحرج هو المشقة والضيق والشدة. وهذا حق فإن الدين الإسلامي قد تسامح في كثير من المواطن عندما يكون المسلم غير قادر على فعل ما أمر به أو ترك ما نهي عنه.
ويقول عليه الصلاة والسلام: «لن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».
فالإسلام فوق ذلك كله فإن تعاليمه الجليلة الحكيمة مبسطة للغاية ليس فيها أي تعقيد ولا التواء ولا لبس عليها ولا غموض ومليئة بالصفح والتسامح والعفو والتيسير ورفع الحرج عن العباد برعاية المصالح يقول تعالى
(ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج)