ما إن يحين وقت الإبحار إلى عرض بحر غزة، يبدأ الصياد عزام بكر بتفقد مركبه جيدًا في ميناء الصيادين الرئيس بغزة؛ استعدادا لرحلة مبيت تمتد حتى فجر اليوم التالي.
ويحرص بكر البالغ (55) عامًا، على القيام بذلك منذ سنوات طويلة تعرضت غزة خلالها لحصار إسرائيلي خانق يحول دون إمكانية دخول أدوات الصيد ومعداته والمواد اللازمة لتصنيع القوارب، وقطع الغيار الخاصة بها.
ويقول لـ "فلسطين": إن قارب الصيد الذي يملكه ويعمل عليه أكثر من 15 صيادًا في بعض الأحيان، يبحر في عرض البحر منذ عشرات السنين، وتعرض لأعطال عديدة في هيكله خلال سنوات العمل.
وبيَّن أن قاربه البالغ طوله (15) مترًا ويطلق عليه "لنش شنشولة"، يحتاج لعميات صيانة دورية لا يمكن الغنى عنها وإلا قد يكون قاربه مُعرَّض للغرق خلال ممارسة الصيد، وما يرافق ذلك من مخاطر ممكن أن تواجه الصيادين.
وتمنع سلطات الاحتلال دخول معدات تصنيع قوارب الصيد لغزة، وخاصة مادة "فيبرجلاس"، منذ سنوات.
وكان بكر التحق بأفراد عائلته للعمل في مهنة الصيد عندما بلغ عمره (15) عامًا، أي منذ 40 عامًا متواصلة، لكنه لم يواجه صعوبات في عمله كما واجه في السنوات العشر الأخيرة بسبب تصاعد انتهاكات بحرية الاحتلال بحق الصيادين، وما ينتج عنها من استشهاد صيادين واعتقال آخرين، ومصادرة قوارب أو تدميرها.
ويبين الصياد عماد مقداد، أن سلطات الاحتلال وإن سمحت، مؤخرًا، بتوسيع مساحة الصيد لتصبح (12 ميلاً)، إلا أن تنغيص بحرية الاحتلال عمل الصيادين ما زال مستمرًا، كما تتعمد التلاعب بالمساحات البحرية وتضييقها أمام الصيادين أو إغلاق البحر كليًا في مواسم مهمة جدًا ينتظرها الصيادون بشغف كبير.
حتى إن محركات القوارب اهترأت ولم تعد صالحة للاستخدام، لكن بسبب عدم وجود أي بديل، فإن أصحابها عند أي خراب فيها، يلجؤون إلى جلب قطع غيار مهترئة من عدة بائعين وتجار بغزة، وبأضعاف مضاعفة بسبب عدم توفرها في الأسواق، كما يقول مقداد.
وجاء قرار الاحتلال، مؤخرًا، بتوسيع مساحة الصيد بعد معركة "سيف القدس" (11-21) مايو/ أيار الماضي، التي خاضتها المقاومة ردًا على استمرار انتهاكات وجرائم الاحتلال في الأراضي المحتلة.
قرصنة بحرية
وقال مسؤول لجان الصيادين زكريا بكر: إن معاناة الصيادين كبيرة بسبب تعمد الاحتلال التضييق عليهم محاولاً بذلك سرقة خيرات البحر، والحيلولة دون استدامة الأمن الغذائي للمواطنين من وراء قطاع الصيد، في وقت يصر فيه الاحتلال على منع الفلسطينيين حقهم في السيادة على بحرهم، أو امتلاك ممر مائي أو ميناء متصل بالعالم الخارجي.
وأضاف بكر لـ"فلسطين"، أن الاحتلال يمارس عمليات قرصنة في البحر، ويرتكب الانتهاكات بحق الصيادين في وقت يقوم فيه بعمليات تنقيب في عمق البحر عن الغاز والبترول، تزامنًا وسلسلة الانتهاكات المركبة بحق الصيادين وما ينتج عنها من فقدان الأمن الغذائي لعائلاتهم وتكبدهم خسائر كبيرة.
وتابع أن الاحتلال يتخذ من التلاعب بمساحات الصيد وإغلاقها أو تضييقها مبدأ لابتزاز الصيادين، لافتًا إلى أن البحرية الإسرائيلية تلاعبت بالمساحات في عام 2019، نحو 21 مرة، بينها 4 عمليات إغلاق كامل البحر لمدة أسبوع لكل واحدة، وفي العام التالي تلاعب بها 11 مرة، تخللها إغلاق كامل البحر لمدة 16 يومًا، ومنذ بدء العام ومنذ بدء موسم الصيد الذي ينتظره الصيادون، تلاعبت بحرية الاحتلال بالمساحات 9 مرات، بينها إغلاق شامل استمر 16 يومًا في أحد مواسم الصيد.
وذكر أن الاحتلال يمارس التضليل للرأي العام الدولي، بأنه يقدم التسهيلات للصيادين ويوسع مساحات الصيد المسموح الصيد فيها، لكن فعليًا الاحتلال لم يوسع مساحات، وإنما يُجري عملية تقسيم البحر مجددًا، وتشمل مناطق مسموح الإبحار فيها، بمساحة 3 أميال، وأخرى 6 أميال، و12 ميلاً، إضافة إلى المناطق المحظور على الصيادين الوصول إليها في بحر شمال قطاع غزة.
وتساءل بكر عن الفوائد التي تعود على الصيادين من حديث الاحتلال عن توسيع المساحات في وقت يمارس فيه انتهاكات ممنهجة بحقهم، ويطلق عليهم النيران، ويصادر قواربهم ويمزق شباكهم. مطالبًا بضرورة توفير حماية دولية للصيادين الفلسطينيين.
ونبَّه إلى أنه بسبب الحصار الإسرائيلي، لم تصنع غزة أي قارب صغير أو كبير منذ سنة 2012، بسبب إصرار (إسرائيل) على عدم السماح بإدخال المواد اللازمة، وما يجري فقط عمليات صيانة لقوارب معطوبة.