تواترت الأنباء والتسريبات المختلفة حول إمكانية وضع نائب لرئيس السلطة محمود عباس بناء على طلب أمريكي أوروبي ورغبة عربية شديدة ترى أن الوقت بات حرجًا ويتطلب إجراء تغيير فوري يفرز نائبًا للرئيس عباس خشية حدوث (فراغ قيادي) في السلطة وخوفًا من سيطرة حركة حماس في ظل المتغيرات التي عصفت بالمشهد في الضفة وباقي الأراضي الفلسطينية.
لكن اختيار نائب للرئيس هي "خطوة تخيف" رئيس السلطة محمود عباس والذي يخشى أن يؤدى اختيار النائب إلى إزاحته كليًّا من المشهد السياسي، خصوصًا أن المطلوب تعيين نائب بصلاحيات كاملة وهذا يعني؛ أنه وبمثابة تعيينه فإن عباس سيصبح خارج اللعبة فورًا ولن يكن باستطاعته المناورة مجددًا.
وعلى الرغم من ذلك فإن المشاورات داخل الأطر القيادية الفتحاوية لم تتوقف لبحث هذا الملف لاعتبارات مختلفة منها: تقدُّم الرئيس في السن ومرضه، وفشل جهود المصالحة ومساعي ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وعدم إمكانية إجراء انتخابات قريبة، وانخفاض شعبية عباس وتراجع نفوذه وتأثيره الجماهيري والسياسي، وقطع الطريق على دحلان وحماس وأي جهات أخرى يمكن أن يكون لها ثقل، فضلًا عن التوجه الأمريكي والعربي والأوروبي الذي يطالب بذلك.
لذلك فإن هناك (سباقًا قياديًّا) داخل صفوف حركة فتح؛ فكلٌ منهم يحاول الوصول إلى هذا المنصب، لكن هناك عقبات كثيرة وصعبة لا يمكن تجاوزها بسهولة، في ظل عدم التوافق على شخصية حتى الآن، واشتداد الصراع الفتحاوي الداخلي، وفقدان معظمهم لأي ثقل جماهيري سواء لدى الفصائل أو الشارع الفلسطيني أو حتى القواعد الفتحاوية، ما يجعلها مهمة عسيرة حتى الآن.
وهذا ما يدفع بعضهم للبحث هنا وهناك للحصول على "ظهير دولي أو إقليمي" لتثبيت نفسه في هذا المنصب لذلك فإن عديد الزيارات أجريت، إضافة إلى الاتصالات التي لا تتوقف، والبرقيات الخاصة التي تصل إلى أجهزة المخابرات العربية والدولية المعنية، والتي تتطرق لأهمية الحصول على "الدعم والإسناد" في مقابل الالتزام بالمصالح العربية والدولية، وضمان عدم المساس بأمن الاحتلال عبر التعهد بمواجهة أي نشاط مقاوم حال الوصول إلى المنصب.
ففي الحقيقة لا تملك فتح وحدها اختيار شخصية للقفز إلى هذا الكرسي لأن الرغبة بالوصول إلى هذا المنصب لا تكفي وأي محاولة منفردة ستكون (هجمة مرتدة) على الحركة، لأن فتح لا تملك "الشارع ولا الشرعية" للقيام بذلك وإن بدا لها أنها تملك العلاقات بالعرب وبالأمريكيين والأوروبيين وغيرهم، لأن المعادلة تغيرت وحقبة التفرد بالقرار السياسي واستغفال شعبنا قد انتهت بلا رجعة.
لذلك فإن السعي لتنصيب (كرزاي جديد) سيكون عاملًا مفجرًا لحالة من الغضب على الحركة والسلطة برمتها ربما يكون ثمنه هذا المرة مضاعفًا، فلن يقبل أي مكون فلسطيني بهذه الخطوة الكارثية التي ستجعل من يقف وراءها يعض أصابع الندم بعد أن دفع نفسه وفريقه إلى ورطة يصعب الخروج منها.
وبالتالي لا يمكن القبول بأي خطوة منفردة بمعزل عن شعبنا وقواه الحية، وإلا فإن أي حراك في هذا الاتجاه سيفضي لنتائج صفرية يحصدها كل هؤلاء (اللاهثون خلف المنصب) وإن بدا لهم غير ذلك، لذلك عليهم أن يتحركوا في كل اتجاه للتشاور مع قيادات الشعب الفلسطيني وممثليه في كل الساحات للتوافق على شخصية وطنية مناسبة، وليس لاختيار شخصية فتحاوية بعينها من القائمة التي أعدتها فتح لأن هذه الحركة ليست قدر الشعب الفلسطيني.
فالشعب الفلسطيني قادر على فرز قيادات وطنية مؤهلة لهذا المنصب وغيره، ولن يقبل أن يقاد بهذه الطريقة، ونقول حظًّا أوفر لمن عمل طويلًا مع الاحتلال وأعوانه لسنوات طمعًا في الوصول إلى منصب الرئاسة، فعليهم أن يتواروا عن الأنظار في هذه الفترة لأن شعبنا لا ينسى ولا يغفر كل الجرائم التي خلفها التنسيق الأمني والعلاقات المشبوهة مع الاحتلال، ويكفيهم أن يغادروا هذه البلد للإقامة في الفيلات الخاصة التي اشتروها من قوت الشعب وعلى حساب دماء أبنائه لأن لحظة المحاسبة ستكون عسيرة.