منذ انطلاق الهبَّة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة المناصرة للقدس وغزة خلال معركة "سيف القدس"، يسعى الاحتلال الإسرائيلي بشكل حثيث لإخماد الروح الوطنية التي عادت تسري في جسد الضفة، بعد أن ثبت له بأن كل محاولات "كي الوعي" لم تفلح.
وتجسدت خطوات الاحتلال في مواجهة الحراك الشعبي في اعتقال الشخصيات الوطنية والنشطاء المؤثرين وأي شخص يعلن تأييده للمقاومة، لكن ذلك لن يفلح بإعادة الضفة الغربية إلى الوراء، كما يرى مراقبون.
وكانت قوات الاحتلال احتجزت، أول من أمس، عشرات الطلاب من جامعة بيرزيت على المدخل الرئيس لقرية ترمسعيا شمال شرق رام الله، واعتقلت 40 طالبًا منهم في إثر قيامهم بزيارة تضامنية لمنزل الأسير منتصر شلبي.
فض التضامن
ورأى رئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت السابق، محمد القيق، أن الاحتلال يحاول فض حالة التضامن المجتمعية في الضفة مع المقاومة، لافتًا إلى أن اعتقال طلبة جامعة بيرزيت يأتي ضمن هذا التوجه.
وقال القيق في حديثه لصحفية "فلسطين": إن الاحتلال يرى بزيارة منزل الأسير منتصر شلبي تعزيز لروح المقاومة في الضفة الغربية، وهو منذ معركة "سيف القدس" يحارب أي تجمع يدعم المقاومة".
وأشار إلى أن الاحتلال يصرف المليارات من أجل تفتيت الحاضنة الشعبية للمقاومة ما بين برامج ثقافية لـ "غسل الأدمغة" أو الترهيب كما حدث في "ترمسعيا"، حيث يستهدف بشكل أساسي الشباب الذين رأى منهم تضامنًا لم يتوقعه مع القدس وغزة.
وشدد على أن أذرع الاحتلال تحاول بكل الطرق السيطرة على هذه التحركات الشبابية من خلال تكثيفها الاعتقالات ما بعد "سيف القدس" لمحاولة ترسيخ مخططها القائم على ضرب الجبهة الداخلية للفلسطينيين بالضفة، والاستفراد بالمقاومة بغزة.
واعتبر أن ذهاب مجموعة من طلبة "بيرزيت" لزيارة منزل شلبي رغم كونهم في الإجازة الصيفية دليل على الالتفاف الواضح نحو برنامج المقاومة، وأن الشباب الفلسطيني هم ظهير للمقاومة رغم كل محاولات الاحتلال وأدواته لثنيهم عن دعمها.
وقال القيق: إن "الاحتلال عمل بكل الطرق خلال السنوات الفائتة لتعزيز سلطة أوسلو بالضفة وفي الوقت نفسه حاصر المقاومة بغزة، لكن "سيف القدس" بددت كل ما فعله وأخرجت الضفة والداخل المحتل من إحباطهم لنشوة الانتصار وأكدت أن شعبنا يؤيد المقاومة في دحرها للاحتلال".
وأشار إلى أن ذلك دعا بالاحتلال للمحاولة في إعادة حالة الهدوء الشعبي لكن لم يتسنَّ له ذلك حتى اللحظة، مضيفًا:" فذهب طلبة بيرزيت لنصرة الأسير شلبي الذي خرج مقاومًا من أجل القدس والأقصى ما يؤكد أن ثقافة المقاومة حاضرة بقوة في وعي الشباب الفلسطيني".
ولفت إلى أن "بيرزيت" كانت وما زالت مهدًا للأجنحة العسكرية لعدد من الفصائل الفلسطينية، ولطلبتها نصيب في كل المحطات الوطنية لشعبنا، وفي الوقت ذاته فهي ما زالت تحافظ على تداول السلطة فيها سلميًا من خلال الانتخابات الطلابية وتحترم الرأي الآخر.
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي، ساري عرابي أن الاحتلال يستهدف الحركة الطلابية في جامعات الضفة عمومًا وفي "بيرزيت" على وجه الخصوص، لاسيما طلبة "الكتلة الإسلامية" التي نظمت زيارة لمنزل الأسير شلبي.
وقال عرابي في حديثه لـ"فلسطين"، أن تحركات الاحتلال الأخيرة تشي بأنه يراقب كل التحركات الشعبية والنقابية والنضالية بالضفة الغربية بكل تفاصيلها"، مؤكدًا أن الاحتلال معني بعدم تطور هذه الحراكات إلى حالة أكبر وأوسع فيحاول أن يطوقها ويفتتها في وقت مبكر.
وأضاف: "واضح أن الاحتلال لا يريد حالة تضامن مع عوائل الأسرى والشهداء، فهذا فعل نضالي يسعى لمواجهته بشكل مباشر ضمن جزء من عمله الأمني غير الاعتيادي في هذه المرحلة بسبب نشاط الشارع في الضفة".
ولفت إلى أننا نشهد نشاطًا من السلطة للسيطرة على ساحة الضفة ضمن وظيفتها الأمنية التي تمارسها منذ عام 1994م، والذي تضاعف بعد الانقسام الفلسطيني في 2007م، وازداد في الفترة الأخيرة بعد معركة "سيف القدس" كون هذا الحراك يمثل خطرًا عليها مثل الاحتلال.
وبيّن المحلل السياسي، أن الضفة حاليًا تشهد عودة إلى الروح الكفاحية والرغبة في تغيير الواقع، ما جعل هناك تحفز كبير لدى السلطة والاحتلال لتطويق هذه المحاولات، مستدركًا بالقول: "لكن هذه المرحلة على مستوى الوعي مختلفة كثيرًا عما كان في السابق فقد ثبت أن الجهود الأمنية لم تنجح في كي الوعي".
وأشار عرابي إلى أن الحركة الطلابية الفلسطينية تاريخيًا هي التي كانت المحرك للمواجهة مع الاحتلال في أغلب محطات النضال خاصة "جامعة بيرزيت"، وقال: "لكن بعد الانقسام الفلسطيني تمكنت السلطة من إضعاف الحركة الطلابية في أكثر الجامعات ما عدا بيرزيت التي استطاعت استعادة عافيتها إلى حد ما".
وأعرب عن أمله في أن تتحول الحركة الطلابية في بيرزيت لنموذج لباقي الجامعات، خاصة أنه ثبت بالدليل القاطع أن الاحتلال لم يستطع فصل الضفة عن القدس وما يجري فيها كما حدث في معركة "سيف القدس" وما بعدها.