احتفال الكونغرس الأمريكي بذكرى احتلال القدس، حسب ما يعدّه مختصون فلسطينيون، هو تأييد مطلق لإجراءات تهويد المدينة المقدسة، ودعم لا متناهٍ له، وموقف سياسي صريح بتأييد السيطرة الإسرائيلية على القدس، حتى وإن لم يتم نقل السفارة الأمريكية إليها.
وقرر الكونغرس الأمريكي إقامة مراسم احتفالية في 7 يونيو/ حزيران المقبل، احتفالًا بما يُسمى "يوم القدس"، وهو اليوم الذي احتلت فيه (إسرائيل) الجزء الشرقي من مدينة القدس في حرب 1967؛ لتبسط سيطرتها على كامل المدينة قبل 50 سنة.
والكونغرس هو ثاني مؤسسة رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد مؤسسة الرئاسة، ويعد الأكثر أهمية في موازاة قوة إدارة البيت الأبيض، كما يقول المحلل السياسي د. هاني البسوس، عاداً احتفال واشنطن بيوم احتلال القدس "ضوءًا أخضر لـ(إسرائيل) بالتغول في المدينة المقدسة".
"تبنٍّ للمشروع الصهيوني"
ويرى أن الاحتفال يعكس الموافقة الأمريكية على إجراءات تهويد شرقي القدس بشكل يخالف قوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ويعني تبني الولايات المتحدة "للمشروع الصهيوني رسميا"، باعتبار أنه جاء من مستوى رسمي أمريكي وليس شعبيا.
ويعتقد البسوس، أن الاحتفال من شأنه أن يزيد من الدعم للاحتلال من الناحية السياسية والمالية واللوجستية، هو أمر مهم بالنسبة (لإسرائيل).
أما الأمر الثاني، فيرى أن أي مفاوضات ستنطلق بين السلطة الفلسطينية، وحكومة بنيامين نتنياهو ستأخذ بعين الاعتبار أن أمريكا لن توافق على جعل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، وتحييد القدس في أي مفاوضات وجعل الضفة الغربية المحتلة محور المباحثات.
وعن التناقض بين قرار تجميد نقل السفارة الأمريكية للقدس واحتفال الكونغرس بذكرى احتلالها، أوضح البسوس أنه من الجانب الفني لم يتم نقل السفارة للقدس، ولكن من الناحية العملية هناك "خطوات أمريكية كثيرة تعني صراحة أن القدس عاصمة للاحتلال، وإن كان ذلك غير معلن سياسياً، بسبب التخوفات من ردة فعل إسلامية وعربية وفلسطينية".
وربط الاحتفال بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحائط البراق، باعتباره أول رئيس أمريكي يقوم بهذه الزيارة، بعد أن وجه ترامب ضربة كبيرة للسلطة التي خابت آمالها حين لم يعلن عن استئناف المفاوضات.
في حين أكدت الزيارة، حسب البسوس، أن ترامب غير معني بإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين وأنه ترك المسألة للجانبين من خلال المفاوضات، موضحا أن السلطة التي علقت آمالا على زيارة ترامب تشعر بهذه الانتكاسة، بعد أن أدركت أن أمريكا ليست معنية بالتعاطي مع القضية الفلسطينية ولا دعم أي تسوية سياسية.
وزار الرئيس الأمريكي في 22 مايو/ أيار الماضي الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتقى برئيس السلطة محمود عباس في مدينة بيت لحم.
ومرر الكونجرس قانون سفارة القدس عام 1995، والذي يقضي بنقل السفارة من "تل أبيب" إلى مدينة القدس المحتلة، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ رئاسة بيل كلينتون مرورًا بجورج دبليو بوش وأخيرًا باراك أوباما لجأت إلى استخدام استثناء تنفيذي، لتأجيل نقل السفارة، "من أجل مصلحة الأمن القومي الأمريكي".
رسالة للرأي العام
وفي هذا الجانب، يشير أستاذ الدراسات الدولية في جامعة بيرزيت د. أحمد جميل لصحيفة "فلسطين"، أن تراجع ترامب عن نقل السفارة، أمر تفرضه متطلبات مصالح السياسة الأمريكية، وفي نفس السياق يأتي الاحتفال بذكرى احتلال القدس "رسالة للرأي العام الأمريكي باستمرار دعم الإسرائيليين".
وذكر جميل، أن استطلاعات الرأي العام الأمريكي تشير إلى دعم لا متناهٍ للاحتلال، مشيرا إلى أن الكونغرس الأمريكي هو من يحرض الشارع الأمريكي على دعم الاحتلال، ويضع شروطا منذ سنوات طويلة يحاول من خلالها عرقلة تقديم مساعدات للسلطة.
وبين جميل أن من يصنع السياسة الخارجية الأمريكية ويتخذ القرارات الحقيقية مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأمريكية وفريق الرئيس وليس الكونغرس، مبينا، أن تداعيات احتفال الكونغرس خطيرة لكنها بعيدة المدى لمحاولة وضع صورة نهائية لمدينة القدس.