بدأت المقابلة التلفزيونية في قناة العربية مع رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في إقليم خارج فلسطين، خالد مشعل، بتباسط المذيع المحاوِر من دبي، الطاهر بركة، مع ضيفِه من الدوحة، لمّا خاطبه بكُنيته "أبي الوليد"، مشيرًا إلى أفضليتها لدى مشعل على أي ألقابٍ له أو مناصب أو مواقع، وسارت المقابلة بإيقاعٍ حسَن، على مستوى الأسئلة المتّصلة بقضايا مطروحة، وكذلك في إجاباتٍ اتّصفت بروحيةٍ وفاقيةٍ انفتاحية، مع تأكيدها ثوابت معلومة تتبنّاها حركة حماس، وعلى أهمية كثيرٍ مما بسَطه مشعل في غير شأن، إن الخبر في جوهره ليس هنا، وإنما في إجراء القناة السعودية هذه المقابلة، الأسبوع الحالي، بالنظر إلى مواقفها المعلومة التي انحازت إليها، وجهرت بها، في الموضوع الفلسطيني، وفي مسألة الثورات العربية، وفي الإسلام السياسي، ما انعكس في خياراتٍ مناهضةٍ لحركة حماس، منذ نحو ثماني سنوات، وذلك كله أحيانًا بتأثيرات مواقف سعوديةٍ رسمية، وغالبًا بتأثيراتٍ من دولة مقرّ القناة، الإمارات، ولذلك تبدو ضيافة مشعل على شاشة "العربية" مثيرةً ولافتةً، فجاء طبيعيًّا ما أحدثتْه من ردود فعلٍ متسائلةٍ غالبًا، ومستهجنةٍ أحيانًا، ومرتابةٍ أيضًا، وهناك من حمّلوا بثّ المقابلة ما قد لا تحتمل، أو ربما تحتمل، فلا معلومات موثوقة توضح السبب الذي جعل صاحب القرار يبادر إلى أن تضيف "العربية" (من دبي) خالد مشعل.
سيكون طيبًا أن تنعطف قناة العربية إلى مراجعة انحيازاتها، وأن ترمّم الأعطاب الوفيرة التي سبّبتها لنفسها، عندما مارست ما كان صاحب هذه الكلمات قد سمّاه انتحارًا، ولم تكترث بألف باء مهنة الصحافة وبدهياتها، وابتعدت عن التوازن وعن مقادير واجبة من الموضوعية، ومعلومٌ أن من الميسور تحقيق هذا كله، وغيره من متطلّبات جودة المحتوى، والاحتفاظ، في الوقت نفسه، بالوجهة السياسية للمحطّة التلفزيونية أو الوسيلة الإعلامية، وإنْ كل شيءٍ نسبيٌّ في المبتدأ والمنتهى، ولذلك يصير باعثًا للاستهجان أن نغتبط بضيافة فضائيةٍ عربية، كانت في طوْر سابقٍ مرشّحة لأن تُنافس غيرها، قياديًّا في "حماس"، على حين أمرٌ كهذا من مألوف الممارسة الإعلامية المحضة، لا سيما أن "العربية" تضيف خصومًا للحركة.
ليس مؤكّدًا، ولا ظاهرًا أن ظهور أبي الوليد على هذه الشاشة مؤشّرٌ على مراجعةٍ من الملحّ أن تبادر إليها قناة العربية، ما سيجعل ضيافة القيادي في الحركة الفلسطينية الإسلامية التي طالما رماها ضيوف على الشاشة نفسها بالإرهاب وبالتضحية بالشعب الفلسطيني، تخضع إلى تأويلاتٍ وتفسيرات، من قبيل هل صانع القرار السعودي ينوي استئناف ما انقطع من تواصلٍ طيّبٍ ومديد ومعلنٍ مع "حماس"، وهذا هو خالد مشعل يقول، من على شاشة "العربية"، وليس من غيرها: "إن الحركة "تتمنّى" استعادة "العلاقة التاريخية" مع المملكة"، ويطلب، في الوقت نفسه، الإفراج عن عناصر من "حماس" من سجونها، ولم يكن أبو الوليد يجامل العربية السعودية، عندما قال: "إن "حماس" عندما تشكر إيران على ما قدّمته لها من دعم وسلاح، لا تتوافق معها في أجندتها الإقليمية والدولية"، ولم يبدُ من صاحبنا أنه يقول ما يتناقض مع قناعات "حماس" بشأن حرصها على العلاقات مع أي دولةٍ عربية، وإنْ ذهبت هذه الدولة إلى التطبيع مع (إسرائيل).
تُرى، هل أراد العقل السياسي، في الرياض، إرسال رسالةٍ ما إلى الإمارات، عندما يجيز نصف ساعة تلفزيونية مع خالد مشعل على شاشة "العربية"، في غضون خلافاتٍ لم تعد خافيةً مع أبو ظبي في غير مسألة؟ أجاب كثيرون من أصحاب الرأي والكلمة، في "السوشيال ميديا"، عن السؤال بأن الأمر كذلك، غير أنه ليس في الوُسع أن يحسِم واحدُنا الأمر على هذه الوجهة، وإنْ في الوقت نفسه لا يجوز تغييبه، وهذه صحيفة (فايننشال تايمز) تكتب: "إن تدهورًا يحدُث الآن في العلاقات بين السعودية والإمارات، وإن الأخيرة "تستعرض عضلاتها" على المملكة"، والملحوظ أن إطلالة مشعل، التلفزيونية اللافتة، جاءت في غضون غضبٍ سعوديٍّ صريحٍ من أبو ظبي في خصوص محادثاتٍ بشأن إنتاج النفط في مظلة "أوبك +"، ومع وقف السعودية سفر مواطنيها، إلا بإذن مسبق، إلى الإمارات، بدعوى كوفيد 19، وفي أثناء تغريدات المغرّدَين الإماراتيَّيْن إياهما عن "زمن المصالح المادية"، وعن "الأمر الذي فيه إنّ"، ولقائلٍ أن يقول إن الذهاب إلى هذه التأويلات (أو التخمينات) في أمر مقابلة "العربية" صيدٌ في الماء العكر، ولكن من قال إن على أهل الصحافة ألا يزاولوا الصيد في ماءٍ عكرٍ قدّام عيونِهم؟!