أكد مسؤولون واختصاصيون اقتصاديون ضرورة عقد مؤتمر دولي عاجل لإعادة إعمار ما هدمه الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الأخير على قطاع غزة، والحصول على ضمانات كافية تلزم الجهات المانحة بتنفيذ تعهداتها كافة.
وشدد هؤلاء على أهمية تولي فريق وطني مستقل عملية الإعمار، لضمان سير الإعمار بالشكل الأمثل بعيدًا عن أي تجاذبات سياسية، والتركيز على تنفيذ مشاريع تنموية في القطاع المحاصر إسرائيليًّا للحد من معدلات الفقر والبطالة.
وقدر البنك الدولي الخسائر المباشرة في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي الأخير نحو (570) مليون دولار.
وقال البنك الدولي، في تقريره الذي عرضه في اجتماع افتراضي للجنة تنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني برئاسة النرويج، أول من أمس: "إن التعافي السريع في القطاع يحتاج إلى (485) مليون دولار على الأقل".
وأوضح الاختصاصي الاقتصادي د. رائد حلس أن العدوان الإسرائيلي الأخير ترك آثارًا اقتصادية قاسية على غزة، نتيجة حجم الدمار الذي خلفته الهجمات العسكرية والخسائر الاقتصادية المترتبة على تدمير المباني والمساكن والمنشآت الاقتصادية والبنية التحتية والمرافق العامة.
وقال حلس لصحيفة فلسطين: "في ضوء هذه الخسائر الفادحة المطلوب الإسراع في عقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار وفق خطة جديدة يكون فيها التركيز على حجم الخسائر بشكل دقيق، ووفق آلية مختلفة عن الآلية التي اعتمدت بعد عدوان 2014، لا سيما أن آلية الإعمار السابقة كانت بطيئة جدًّا، نتيجة عدم التزام الجهات المانحة بتعهداتها المالية".
وأشار إلى أنه يتطلب الأخذ بعين الاعتبار في المؤتمر الجديد تأكيد الحصول على الضمانات الكافية لالتزام الجهات المعنية بتنفيذ تعهداتها، حتى تسير عملية الإعمار بشكل يسير، ومختلف عن عملية الإعمار السابقة.
ولفت إلى أن التقديرات الأولية الصادرة عن الجهات المعنية كوزارة الأشغال العامة والاقتصاد والاتحادات الصناعية والزراعية تشير إلى أن حجم الخسائر الاقتصادية في العدوان يفوق الرقم المذكور، الذي قدره كلٌّ من البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كما يتطلب أيضًا -وفق حديث حلس- تحييد ملف الإعمار عن التجاذبات السياسية، بتولي فريق وطني مستقل عملية الإعمار، لضمان سير آلياته بالشكل الأمثل، بعيدًا عن أي تجاذبات تؤثر سلبًا.
مشاريع تنموية
وقال الاختصاصي الاقتصادي خالد أبو عامر: "إن ملف إعادة الإعمار يشوبه تعقيدات كثيرة تؤخر التقدم به، على الرغم من مرور عدة أسابيع على وقف إطلاق النار".
وبين أبو عامر لصحيفة "فلسطين" أن أبرز هذه التعقيدات تتمثل في اشتراط الاحتلال الإفراج عن جنوده الأسرى بغزة مقابل تسهيل ملف الإعمار، وحالة التجاذب بين غزة والضفة بشأن الجهة المخولة إدارة ملف الإعمار، لافتًا إلى أن "السلطة ترفض تشكيل مجلس أعلى لإدارة الإعمار".
وأكد أن الكثير من المشاريع الإنشائية الفردية والاستثمارية متعطلة في أعقاب إصرار الاحتلال على رفض إدخال المواد الإنشائية عبر معبر "كرم أبو سالم"، خاصة الحديد والإسمنت، مشيرًا إلى أن الكميات المتوافرة محدودة وأسعارها آخذة في الارتفاع.
وأشار إلى أزمة اقتصادية تواجه القطاع التجاري بغزة عقب العدوان، فالاحتلال يماطل في إدخال نحو (700) شاحنة بضائع محتجزة، وأن هذا العقاب الجماعي كبد أصحاب البضائع نحو (100) مليون دولار خسائر، بسبب دفعهم أثمان أرضيات في المعابر والموانئ.
وشدد أبو عامر تأكيده ضرورة أن يدرج المتضررون الذين لم يتلقوا تعويضاتهم عن الحروب السابقة في أي تمويل جديد، داعيًا إلى تنفيذ مشاريع تنموية في القطاع للمساهمة في الحد من معدلات الفقر والبطالة.
خطوات عملية
ورحب رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار جمال الخضري بتقرير البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بشأن تمكين مرور المستلزمات المدنية عبر معابر غزة، إضافة إلى تقدير احتياجات غزة في المرحلة الأولى للتعافي بعد الحرب التي قُدرت ٤٨٥ مليون دولار.
وقال الخضري، في تصريح، أمس: "إن التقرير شرح الحالة الإنسانية جراء الحرب وتراجع الاقتصاد، وتجاوز معدلات الفقر والبطالة ٥٠٪، وإنه يكتسب أهميته من المؤسسات الدولية الرفيعة والمتخصصة الصادر عنها".
وأوضح أن هذه التقارير الدولية مُهمة وتحتاج لخطوات عملية باتجاهين، أولهما: العمل على إلزام الاحتلال فتح المعابر عاجلًا؛ لأن إغلاقها هو خرق فاضح للقوانين الدولية، وعقوبة جماعية، ويعيق إمكانية أي تقدم في أي مجال.
وأشار إلى أن الاتجاه الثاني يتمثل في ضرورة أن تؤخذ هذه التقارير في الحسبان في موازنات الدول بأوروبا والعالم، وأن يكون هناك دعم عاجل وسريع للأسر المعوزة والفقيرة والقطاعات التي تضررت دوريًّا، للمساهمة في انتعاش واستقرار غزة.
وأضاف الخضري: "تركيز التقديرات الدولية على حاجة أولية بمبلغ ٤٨٥ مليون دولار للشروع في معالجة آثار الحرب على غزة، وما يحتاج إليه ذلك من حرية حركة المعابر دون قيود؛ سيجعل هناك إمكانية للشروع في تنفيذ الرؤية الدولية تنفيذًا عمليًّا".
وأشار إلى أن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في غزة بسبب الحرب والحصار متردية لجميع سكان القطاع، خاصة أصحاب البيوت المهدمة، لأنهم يعيشون معاناة مركبة، وعدد منهم مشردون عن منازلهم ويعيشون ظروفًا حياتية قاسية مع استمرار الحصار وإغلاق المعابر وتأخر الإعمار.
ولفت رئيس اللجنة الشعبية إلى أن خسائر غزة المباشرة وغير المباشرة في الحرب الأخيرة، وما بعدها، وما نتج عن إغلاق معبر "كرم أبو سالم" واحتجاز آلاف الشاحنات التجارية؛ يصعب تقديرها نهائيًّا في هذه المرحلة.