فلسطين أون لاين

"تحرشٌ وسحلٌ وتكسير".. المفرج عنهم يروون لـ"فلسطين" أحداث "ليلة دامية"

تقرير على عتبات "البالوع".. الأسرى المحررون تحت هراوات القمع

...
عناصر أمن السلطة تقمع المتظاهرين المنددين بجريمة اغتيال الناشط نزار بنات "أرشيف"
غزة/ يحيى اليعقوبي:

 

المحررة "أبو غوش": تفاجأت بقيام شرطيات بسحلي وشد شعري لمسافة طويلة

المحامية عايش: ضربت على أماكن حساسة وتعرضت للتحرش مرتين

المحرر سياج رفض ضرب النساء فانهالت عليه الهراوات والركلات

 

أحكمَ شرطي من أمن "مركز البالوع" برام الله إمساكَ يد المحامية ديالا عايش وعصرها بيده كمن يضغط على حبة ليمون، بكل قوته، في حين تولت شرطية إمساكها من يدها اليسرى، يحيط بها خمسة عناصر آخرون، مشهدٌ لم تلتقط صورته لكنه يشابه نماذج من اعتقال جيش الاحتلال للشباب الفلسطينيين، إلا أن عناصر الأمن برام الله تفوقوا هذه المرة على الاحتلال.

الأهالي يتجمعون أمام مركز "شرطة البالوع" برام الله ويرددون هتافات تطالب بالإفراج عن أبنائهم المعتقلين بسبب مشاركتهم في مسيرة رافضة لاغتيال الناشط والمعارض السياسي نزار بنات، الأسير المحرر هيثم سياج وجد ركنًا بين صفوف الأهالي يحاول الاطمئنان على صديقه المعتقل، والمحررة الصحفية ميس أبو غوش ذهبت للتضامن مع الأهالي وتغطية الفعالية، منح ضباط الشرطة برام الله الأهالي عشر دقائق لإخلاء المكان، وكأنَّ صوت الأهالي المطالب بحرية أبنائهم مزعجٌ لهم.

انتهت المدة الممنوحة للأهالي، وأعطيت الإشارة بالهجوم، قوات كبيرة من رجال الأمن تفوق أعداد المحتجين تقدمت من كل اتجاه، بكل أدوات القمع من هراوات، وبنادق تطلق "غاز الفلفل"، كان ذنب الأهالي الوحيد أنهم جاؤوا للمطالبة بحرية أبنائهم، وكأنهم ارتكبوا بذلك جريمة استحقت قمعهم.

تحرش وضرب

الأسى والقهر الملاصق لها منذ ليلة أمس يتجسد في صوت المحامية ديالا عايش وهي تروي التفاصيل لصحيفة "فلسطين": "بينما كانوا يمسكونني ويسيرون بي لمسافة مائة متر، تم ضربي على أماكن حساسة خاصة بالنساء يمنع انتهاكها بأي طريق كانت، وتكرر الأمر مرتين، كنت أقول لهم: لا تضربوني، أمشي وحدي، خشيت أن أقول لهم لا تتحرشوا بي حتى لا يضربوني أكثر".

لكن لم تبقِ القهر حبيسًا بداخلها فكسرت جدار صمتها وطلبت عدم ضربها، إلا أن أحد العناصر ردَّ باستهزاء "يلا امشي بدناش دلع".

وجع قلبها يتحول لكلمات ترافق أحبالها الصوتية تحتار في وصفِ ما تعرضت له: "حينما دخلت المركز صعدت إلى مكتب العميد، ورأيت رتبًا عالية حولي من ضباط، فشكوت التحرش الذي تعرضت له، إلا أن العميد اعترض على شكواي وقال: "شبابنا ما بعمول هيك"، ثم بدأ بتهديدي: "إنت بنت مش منيح إنه ينحكي بالموضوع"، في هذه اللحظة قاطعته ولم أبقَ صامتة: "مش مشكلة، بس راح اطلع واحكي بالموضوع".

مكان مجهول

هيثم السياج الذي تفوق سنوات اعتقاله لدى الاحتلال ست سنوات، لم يتحمل رؤية نساء وفتيات يُسحلن من قبل الشرطة الفلسطينية التي يتحتم عليها أن تدافع عن المواطن وليس الاعتداء عليه، فهب لنجدة إحداهن محاولًا إبعادها عن الهراوات، ليجد جسده يوضع تحت ركلات أقدام أفراد الشرطة تنهال عليه الهراوات بلا هوادةٍ، ثم سحلَ إلى المركز، واستكملوا هناك ضربه فأغمي عليه وجرى نقله لمستشفى رام الله هو وصديقه باسم مرعي، وهناك أعلن هيثم إضرابه عن الطعام ورفض تلقي العلاج.

"ذهبتُ للمشفى ومُنِعْتُ من رؤيته، ثم رأيت قوات كبيرة تحاصر المشفى وقوات خاصة مثلمين، يتجاوز عددهم عشرين فردًا، دخلوا إلى غرفته وهو ممددٌ على السرير لا يقوى على الحركة".. لا تجد أم هيثم وصفًا في حديثها لصحيفة "فلسطين" عمَّا تعرض له ابنها.

تسمع تنهيدة والدته الحارة واختناقها بالكلمات: "منعت من رؤيته، لم أحظَ بفرصة أن أكون بجواره لرعايته، كل جسده رضوض، خاصة في ظهره وجانبه الأيمن، لديه ألمٌ في رأسه، لا يستطيع المشي على قدمه، ثم تأتي الشرطة وتخطفه من المشفى دون تقديم العلاج له، وحاولوا أخذ توقيعٍ منه بالخروج على مسؤوليته لكنه رفض".

كل عبارات الغضب تتزاحم على مدخل فمها: "لم يبقَ أي جهاز أمني إلا وأرسل عناصره للمشفى، كانت الأعداد كبيرة، وعلى ماذا؟ لأجل اعتقال شاب لا يستطيع التحرك على سرير المشفى وإلى الآن لا أعرف مكان اعتقاله".

هيثم سياج اعتقل لدى الاحتلال عام 2014 مدة خمسة عشر شهرًا، والاعتقال الثاني كان لدى السلطة لمدة ستة شهور، وفي اعتقاله الثالث اعتقل مدة عامين وأمضى ثلاثة أحكام إدارية لدى الاحتلال، أما الاعتقال الرابع فأمضى أربعة أحكام إدارية بمعدل عامين أيضًا، ست سنوات من عمره ذهبت في السجون، لم تشفع له أمام "همجية ذراع الأمن في رام الله التي داست تاريخ سياج".

الأسرى تحت الهراوات

"كنا عزلًا. اقتصرت الوقفة على أهالي المعتقلين الذين اعتقلتهم أجهزة أمن السلطة، كان مطلبنا حرية المعتقلين والإفراج عنهم، فكان التواجد الأمني مكثفًا، وطلب منا إخلاء المنطقة في عشر دقائق، لكننا رفضنا إلا بحرية الشباب".. من تروي التفاصيل هي الأسير المحررة ميس أبو غوش التي أمضت عند الاحتلال خمسة عشر شهرًا.

تطفو بقايا التفاصيل على حديثها: "تفاجأنا بهجوم وحشي، وبدأ قمعنا بالهراوات وقنابل الغاز واعتدوا علينا بالسحل والضرب بالشوارع، ورشنا بغاز الفلفل، وصادروا معدات الصحفيين، رأيت كيف اعتدوا على الصحفي عقيل عواودة ما أدى لتكسير في قفصه الصدري نقل على إثره للمشفى، وأيضًا سُحلت الصبايا".

يلسع صوتها القهر: "كنت من ضمن الحاضرات، وتفاجأت بقيام شرطيات بسحلي، وفي أثناء اعتقالي قمن بجري من شعري، حتى أن إحداهن كانت تطلب دعمًا من زملائها الرجال لاستكمال ضربي، وواصلن سحلي طول الشارع حتى وصلت إلى باب مركز الشرطة، ومن قوة السحل لويت قدمي اليسرى، وارتطمت يدي بمرآة إحدى السيارات وبها رضوض حتى الآن".

في داخل المركز كان الوضع داميًا: "دخلت المركز وكان تعامل الشرطة معنا همجيًّا، صراخ، تهديد، رأيتهم يضربون المعتقلين الشباب بالأحذية على رأس أحدهم حتى سال دمه، رأيت عقيل عواودة، وهيثم السياج وشادي عميرة، ورجال الأمن يعتدون عليهم بقبضات اليد والركل الوحشي (...) حاولنا الدفاع عن الشباب وفتح باب الغرفة الذي استفردت فيه الشرطة بهم لكنهم هددونا".

تحتار ميس في وصف ما عايشته: "المحزن أن تجد أناسًا مناضلين يعاملون هكذا، نفس طريقة الاحتلال، نفس أسلوب التحقيق".

تتهكم على شرط وضعه ضابط المركز للإفراج عن الفتيات: "طلبوا منا التعهد بالتزام القانون واحترامه، فأي مخالفة للقانون قد ارتكبها الأهالي ونحن نطالب بالإفراج عنهم؟ لكننا رفضنا التوقيع دون وجود محامٍ، وأخبرنا أنه سيتم تحويلنا لسجن "بيتونيا"، لكن بعد مدة صغيرة جرى الإفراج عنا وأبقوا الشباب معتقلين".

أفرج عن ميس وديالا وبقي هيثم معتقلًا مع العديد من الأسرى والشخصيات الاعتبارية، سيذهب الألم وتنقضي جروح أحدثتها الهراوات، لكن تركت الشرطة التي من المفترض أن تحمي المواطن، بصمة قهر في قلوب ميس وديالا، لن تنسيا ما حدث في ساعات، فما حدث "لا يمكن نسيانه" ولا يوجد دواء يشفي جراحه التي استقرت في قلبيهما.