فلسطين أون لاين

المقدسي فايز عبيدات: "حتى قفز الحبل على بلاط الأقصى له نكهة خاصة!"

...
إعداد/ د. زهرة خدرج

لفت انتباهي منذ ما يزيد على عام، تحفظه الساحات أمام المسجد القبلي ويحفظها، تحت الشجرة الضخمة أمام المصطبة الشرقية الملاصقة للكأس، أشاهده يتمشى مشياً سريعاً، وأحياناً يلعب بالننشاكو بمهارة عالية، وأحياناً أخرى يقفز الحبل بخفة عجيبة قد لا تتناسب في منظورنا مع الشيب الذي يغمر رأسه ولحيته، جسده شديد التناسق، خطواته خفيفة رشيقة، يتحرك بلياقة قلما تراها لدى أشخاص في مثل عمره في بلادنا.. قررت اختراق الأسوار التي يحيط بها نفسه، والتوجه إليه بطلب الحديث عن نفسه ليكون أحد النماذج المقدسية التي سنتناولها في هذه الصفحة.. رحب بابتسامة سرور عريضة، وكان هذا اللقاء!

"فايز عبيدات المعروف بأبو أيوب من جبل المكبر، من مواليد عام 1960، ألعب رياضة سويدية مذ كنت طالباً في المدرسة، وتتميز الرياضة السويدية بأنها تمارين سهلة بسيطة يمكن ممارستها في أي مكان، تعتمد على قوة الساعدين والساقين في الغالب، تُكسب الجسم قوة ورشاقة ولياقة عالية، وتزيد من كتلة العضلات وتقلل من كتلة الدهون دون أن يكون هناك حاجة لأجهزة رياضية معقدة. ولأنها لا تحتاج إلى مكان خصص لأدائها أخذت أمارسها في المسجد الأقصى منذ سنوات طويلة، لوجود ساحات واسعة ملساء وهواء طلق في ظل الأشجار الكبيرة التي تتوزع في الساحات، وهو ما يُشعرني بالراحة والنشوة خلال تأدية التمارين، ويزيد من عزيمتي على الاستمرار.. أشعر بنفسي مثل طائر حرٍّ ينطلق في سماء البلدة المقدسة بلا قيود تقيدني وتعرقل من تحركاتي وخطواتي كلما أردت الدخول أو الخروج من بوابات الأقصى كما يحدث في هذه الأوقات!

ما إن أبدأ بتحريك الحبل الذي لا يفارق حقيبة ظهري حركة دائرية تمر به من أعلى رأسي وتتركه ينزلق أسفل قدمي، حتى تغمرني سعادة لا أستطيع وصفها.. تبدأ قدماي بالقفز بتلقائية منتظمة خفيفة دون تفكير تتناسب بإيقاعية مع حركة يدي، فلا أفقد توازني ولا أقع.. لا أستطيع أن أقول إنني أقفز الحبل.. بل في الحقيقة أنا أُحلِّق بعيداً عن الزمان والمكان، يساعدني في هذا التحليق وجودي في المسجد الأقصى، مدونة التاريخ التي عبرتها أمم وحضارات وقادة وجيوش...

أقفز بمعدل 250 قفزة في الدقيقة دون توقف، وأجري بسرعة عالية لمسافة 10 كيلومترات دون راحة. قد لا تصدقون أنني لم أدخل نادياً يوماً ولم أتلقَ تدريبًا على يدي مدرب محترف، تعلمت هذه الرياضة من تلقاء ذاتي، فقد تركت المدرسة قبل نهاية المرحلة الابتدائية، ولم أدخل معاهد أو جامعات، ولكن لإصراري عليها، تعلمتها وأتقنتها، استعنت باليوتيوب في أحيان كثيرة لأطور من مهاراتي وأُحسن أدائي، وقد نجحت في ذلك.. فالإرادة هي ما يشكل فارقاً في الحياة.

في الصباح أذهب إلى عملي، ثم أُمضي بقية يومي في ساحات المسجد الأقصى، ما بين رياضة وعبادة، وبعد صلاة العشاء، أقفل عائداً إلى جبل المكبر.. إلى البيت.

المرة الأولى التي فزت بها، كانت في سباق ماراثون أجرته مدارس القدس، ركضنا مسافة طويلة؛ من الشيخ جراح إلى... بعد أن وضعوا أرقاماً على ظهورنا وصدورنا.. كنت في الصف السابع حينها، وحزت المرتبة الأولى! شاركت بعدها بمباريات قليلة في الجري من خلال أصدقاء ومعارف رشحوني للمشاركة كان بعضها خارج البلاد، ولكن دون أن أجد في أي وقت من يتبناني ويحتضن مهاراتي ويبرزها من المستويات الرسمية، حتى في الفترات السابقة التي كنت فيها شاباً يافعاً يفيض شباباً وحيوية. حاولت نوادٍ "إسرائيلية" استقطابي لألعب معها وأسابق باسمها.. فعلتها مرة واحدة، ولم أعد إليها مرة أخرى.. فلست ممن يطبِّعون ولو من باب الرياضة.. عرضت عليّ نوادٍ في مدينة رام الله أن أعمل معها وحاولت إغرائي بتوفير سكن لي في رام الله.. رفضت رفضاً قاطعاً لأنني لا أستطيع أن أبتعد عن الأقصى ليوم واحد. فكيف لي أن أبتعد عنه لأيام متتالية وأسابيع؟

في ساعات المساء حين تجنح الشمس للمغيب، يتحلق حولي فتيان وفتيات ممن يوجدون في ساحات الأقصى باستمرار، فأتطوع بتدريبهم على قفز الحبل.. وأوجههم وأصقل مهاراتهم. وأول نصيحة أُقدمها دوماً لمن يريد الانضمام للتدريب معي هي: عليك بالغذاء الصحي، ابتعد عن الحلويات والشبسات والمشروبات الغازية، فكل ذلك يزيد الوزن ويُسبب تخزين الدهون في الجسم.. ويقلل من قدرتك على اكتساب المهارة.

أما النصيحة الثانية فهي: داوم على التدريب.. ابدأ بعدد قليل من القفزات ثم ارفع العدد والمدة تدريجياً.. فالبدء بعدد كبير يسبب تشنجات عضلية تمنعك الاستمرار.. استمر فيما عزمت عليه.. فالاستمرارية هي ما يشكل فارقاً ويضمن لك النجاح.