لا تتوانى السلطة في رام الله عن مواصلة سياسة الإقصاء والتفرد بالقرار الفلسطيني، التي لا يزال ينتهجها رئيسها محمود عباس منذ توليه سدة الحكم في 2005، ومحاولاته المستميتة في فرض قراراته القمعية ضد كل من يعارض سياساته "المجحفة" بحق شخصيات فلسطينية.
ومنذ اغتيال المعارض السياسي نزار بنات صباح الخميس 24 يونيو/ حزيران الماضي، تشن أجهزة أمن السلطة حملة شرسة لقمع المتظاهرين والصحفيين، إلى جانب إغلاق صفحات نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتهديدهم بعدم الحديث عن الجريمة.
وكشفت تقارير صحفية أن عباس قرر إقالة رئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية إيهاب بسيسو من منصبه، على خلفية منشور له على "فيس بوك" يدين فيه اغتيال بنات، والاعتداء على التظاهرات الاحتجاجية ضد اغتيال المعارض السياسي بعد اعتقال عناصر من أجهزة أمن السلطة له.
وقرار إقالة بسيسو الذي تولى سابقًا وزير الثقافة في حكومة رام الله ليس الأول في تاريخ السلطة ضد المعارضين لسياساتها وانتهاكاتها، وسبق أن قرر عباس إقالة قيادات رفيعة، منها عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية تيسير خالد الذي كان يتولى رئاسة دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير، ورئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، وإحالة رئيس مؤسسة أسر الشهداء والجرحى محمد النحال على التقاعد، وكذلك إقالة ناصر القدرة من اللجنة المركزية لحركة فتح وتجريده من موقعه رئيسًا لمؤسسة الشهيد ياسر عرفات، وسحب ملف الإعلام والثقافة والتعبئة الفكرية منه.
تفرد بالقرار
وأدان عضو التجمع الديمقراطي الفلسطيني عمر عساف، قرار إقالة بسيسو من منصبه على خلفية منشور له على "فيس بوك" يدين فيه اغتيال المعارض السياسي "بنات".
وعد عساف في تصريح لـ "فلسطين" أن سلطة رام الله، تواصل سياسة نهج الإقصاء والتفرد بالقرار للحفاظ على عرشها، خاصة بعد التظاهرات الأخيرة التي خرجت احتجاجًا على اغتيال بنات.
وقال: "إن السلطة تحاول ألا تعدم أية وسيلة لمحاربة من ينتقدها، ما يعكس ضيق صدرها، وحالة التوتر التي وصلت إليها بسبب جريمة اغتيال بنات، والخشية من نهاية أجلها.
وأضاف أن محاربة السلطة لحرية الرأي والتعبير يتعارض مع أبسط القوانين التي تكفل للمواطن هذه الحرية، مشيرًا إلى أن السلطة مضطرة أحيانًا للتراجع عن أسلوب قمع المتظاهرين باستخدام العصِي وقنابل الغاز؛ بسبب ارتفاع عدد المحتجين ونزولهم للشارع ردًا على جريمة الاغتيال.
ورأى أن الخلاص من سياسة الإقصاء والتفرد بالقرار يكون بتدخل الشعب والدفع للتغيير الديمقراطي، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لوقف تغول السلطة على القرار الفلسطيني.
ضمان الاستمرارية
وقال القيادي في التيار الإصلاحي بحركة فتح عبد الحميد المصري، إن السلطة في رام الله تمارس نهج الإقصاء والعقاب الجماعي لتثبيت أقدامها وضمان استمرارها.
وأضاف المصري لصحيفة "فلسطين": إن سياسة السلطة وعلى رأسها محمود عباس، تمارس نهج الإقصاء والعقاب لكل من يخالف سياستها، مدللًا على ذلك من خلال معاقبة أبناء حركة فتح في قطاع غزة، ومواصلة إجراءاتها العقابية ضد القطاع.
وحثَّ الشعب الفلسطيني لأن "يفوق من غفوته ويناضل من أجل استرداد حريته وكرامته من السلطة"، مضيفًا: "ما دام الشعب في غفوته فإن السلطة ستواصل سياسة الإقصاء والعقاب بحق أبناء الشعب الفلسطيني".
وتابع: يجب أن تتوقف سياسة الإقصاء وقطع الرواتب وحصار غزة بالمقاومة ورفع الصوت عاليًا ضد نهج السلطة الخطر الذي يعاقب الشعب لعدم خضوعه لنهجها القذر" بحسب رأيه.
ودعا القيادي في التيار الإصلاحي لوقف سياسة "حكم العصابة المتفرد والقاتل والمجرم، من خلال إعلاء صوت أبناء الشعب الفلسطيني".
عزلة السلطة
من جهته أوضح الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، أن الهدف من سياسة السلطة مواصلة الإقصاء والتفرد بالقرار هو حماية نفسها والاستمرار في الدور نفسه الذي وجدت من أجله.
وقال عوكل لصحيفة "فلسطين"، إن سياسة السلطة تهدف لتخويف وترهيب الناس من أجل الحد من انتقاداتها، لافتًا إلى أنه في حال تعاملت السلطة بطريقة مرنة مع الشارع فهذا يعني أنها مهددة بثورة، وذلك ضمن تحذيرات إسرائيلية لخشيتها من سيطرة حماس على الضفة الغربية.
وأضاف: إن السلطة بسياسة الإقصاء والتفرد بالقرار الفلسطيني تقود نفسها لمزيد من العزلة عن المجتمع الفلسطيني، فنحن أمام سلطة ركيزتها الأساسية في التعامل مع الجمهور الفلسطيني الأمن ومعاييره، وهي بذلك تتجاوز القوانين والمواثيق التي وقعت عليها، كما تتجاوز القانون الأساسي الفلسطيني.
وتابع: بعد الاحتجاجات الواسعة على اغتيال بنات وعلى الرغم من التحذيرات الدولية المتكررة ستواصل السلطة سياستها في قمع وإقصاء كل من يخالف سياستها، عادًّا أن ذلك يمثل رهانًا خاسرًا في التعامل مع الجمهور الفلسطيني.
وحذر الكاتب والمحلل السياسي من أنه في حال عدم العودة للحوار الوطني والمصالحة والوحدة والشراكة فنحن أمام أوضاع ستزداد سوءًا.