فلسطين أون لاين

​يدفعهم الشوق والحرمان إلى "التهريب"

شباب الضفّة يخاطِرون لدخول القدس

...
نابلس - خاص "فلسطين"

تهفو قلوب المسلمين في شهر رمضان المبارك إلى المسجد الأقصى، وتتسارع دقات قلوب الفلسطينيين اشتياقًا إلى رؤيته والصلاة في جنباته وتقبيل تراب المدينة المقدسة، وتكحيل أعينهم برؤية تفاصيله كافة، والاستمتاع برائحة حارات البلدة القديمة وأسواقها ومنظرها الأخاذ والجذاب.

وتقف إجراءات الاحتلال وممارساته المتمثلة بالتضييق على الشعب الفلسطيني، والحيلولة دون وصوله إلى المدينة المقدسة _ولاسيما الشباب_ حجر عثرة أمام أحلام وآمال الكثيرين، وتجعل حلم الوصول إليها مستحيلًا في عرف من يعرف اليأس والإحباط.

وأمام محاولات المنع تلك، والاستفراد بالمدينة المقدسة، وتحريمها على شباب الضفة الغربية لم يتوقف هؤلاء الشباب عن ابتكار الطرق والأساليب التي تحطم قرارات الاحتلال كافة، وتقطع الطريق عليه، بالوصول إلى مدينة القدس عنوة من طرق صعبة وخطيرة، لكنها تحمل كثيرًا من معاني التحدي والصبر والإرادة والتمسك بالأرض والمقدسات.

حلم منشود

ولعل أسلوب التهريب هو الأسلوب الأنجع والأنجح لهؤلاء الشباب لدخول مدينة القدس، مع المخاطر الكبيرة التي تحدق بحياتهم، ليصلوا إلى حلمهم المنشود ورغبتهم المتوقدة بالدخول إلى ساحات الأقصى، وتشنيف آذانهم بأصوات القراء، وتكحيل أعينهم برؤيته ورؤية مرافقه التي تسرق الألباب.

وباتت قضية الدخول إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك من القضايا المسلم بها لدى كثير من شباب الضفة الغربية، الذين يرونه حقًّا لهم أولًا، ثم أحد صور التحدي للاحتلال وسياساته الإجرامية الرامية إلى حرمانهم حقهم بالعبادة.

ومع دخول شهر رمضان يومه الأول حتى نهايته يبدأ الشباب الضفيون الذين ينكبون على محاولتهم للوصول إلى المدينة المقدسة تحدي الإرادة والعزيمة، باحثين عن أي طريق يوصلهم إلى حلمهم المنشود، مستعينين بأصحاب الخبرة من أندادهم الشباب، أو لاجئين إلى كثير ممن يعرفون مداخل سرية يسلكونها للدخول إلى القدس.

هذا الشاب العشريني فارس عواد (اسم مستعار) من مدينة نابلس يحرص في كل أسبوع من أسابيع شهر رمضان المبارك على أن يصل إلى مدينة القدس مرة واحدة على الأقل تهريبًا، كون جنود الاحتلال على الحواجز المؤدية إلى المدينة المقدسة يمنعون المواطنين من غير حملة التصاريح من الدخول.

تحدٍّ وإصرار

ويضيف عواد خلال حديثه إلى "فلسطين": "المخاطر جمة والمتاعب كبيرة، لكن لا يوجد أمامنا من طريق لدخول القدس إلى التهريب، ولا أبالغ إذا ما قلت إن الدخول بهذا الأسلوب له طعم ومذاق خاص، فهو يحمل معاني التحدي للاحتلال الذي يريد أن يسلخنا عن قدسنا الحبيبة".

ويتحدث الشاب عبد الرحمن مشعل من إحدى قرى مدينة رام الله كذلك عن حلم الوصول إلى المسجد الأقصى في رمضان، قائلًا: "الآلاف من شباب الضفة الغربية يلجؤون إلى التهريب حلًّا وحيدًا لدخول الأقصى، مستخدمين أسلوب القفز من منافذ معينة في الجدار الفاصل المحيط بالمدينة المقدسة".

ويرى مشعل أن فكرة الدخول فكرة مجنونة بحد ذاتها؛ فالشاب في كثير من الأحيان قد يكون عرضة لإطلاق النار أو الكسر أو الاعتقال ودفع غرامات باهظة في حال ضبطه، ومع ذلك نجد الشباب لا يكلون ولا يملون، على حد قوله.

ويجد كثير من الشباب الضفيين رمضان حافزًا للوصول إلى المدينة المقدسة، لاستثمار الأجواء التعبدية والروحانية هناك، بغض النظر عن الثمن مقابل ذلك كما يقول الشاب طارق من منطقة الأغوار، يتابع: "في بعض الأحيان كنا نستغرق يومًا كاملًا حول مدينة القدس حتى نحصل على فرصة للدخول إلى الأقصى بالتهريب، مع مخاطر كبيرة كانت تحدق بنا، لكننا في النهاية نحن من يرفع راية الفوز بعد أن تحط أقدامنا بساحات المسجد".

ويكمل: "الجدار الفاصل يزيد ارتفاعه في بعض المناطق على ستة أمتار، ومع ذلك الكثير من الشبان يلجئون إلى القفز عنه في بعض الأحيان دون أي وسيلة مساعدة، وفي أحيان كثير تستعمل السلالم الصغيرة والحبال التي يوفرها من الجهة الخارجية بعض الشبان والفتية سكان المناطق الفلسطينية خارج الجدار".

وأغلب حالات وصول الشبان إلى القدس تكون بعد ساعات كر وفر بينهم وبين جنود الاحتلال، تمتد إلى ساعات منتصف الليل لتهدأ بعدها، ثم ينطلق الشبان في أجواء مليئة بالمخاطر في محاولاتهم وصولًا إلى رغبتهم المتأججة بالوصول، وهذا ما يحل للكثيرين منهم.

وبين شغف الوصول إلى الأقصى والتعلق به في شهر رمضان المبارك، والمعوقات التي تحول دون ذلك؛ يبقى صراع التحدي بين شباب الضفة الغربية وجنود الاحتلال الدخلاء، في صورة تجسد إصرار صاحب الحق على انتزاع حقه من المغتصب بالوصول إلى أرضه ومقدساته التي يعشق ويحب.