أقدمت الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة المقاطعة على اغتيال المناضل الوطني والمعارض السياسي وأحد مرشحي المجلس التشريعي (نزار بنات)، من خلال الاعتداء عليه بأعقاب البنادق، والمسدسات، والعصي، وآلات حادة أخرى استخدمت في الاعتداء، إضافة إلى رشه بغاز الفلفل، وتجريده من ملابسه، واقتياده إلى جهة غير معلومة.
الأمر الذي أدى إلى استشهاده في وقت قصير بعد اعتقاله بساعتين تقريبا، حيث ظهرت جسامة هذا الجريمة المروعة، وتبينت الحقائق أمام الرأي العام من خلال شهادات أقاربه، ومعاينة الطب الشرعي، والصور التي نقلت لجثته، والتي أظهرت حجم الإصابات التي كانت متفرقة في كل أنحاء جسده، لكن أكثرها كان في منطقة الرأس.
هذا الفعل الإجرامي يعكس مدى السقوط والانحلال الوطني، الذي وصلت إليه هذه الأجهزة وقياداتها، وهي تمارس جريمة بشعة "مكتملة الأركان" بحق مواطن فلسطيني، دون أن يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، وكل ذنبه أنه يعارض سلطة محمود عباس، وحكومة محمد اشتية، ويكشف فساد السلطة، ويفضح كل المؤامرات التي تستهدف شعبنا.
كان آخر ذلك (فضيحة اللقاحات) التي وضعت قيادة السلطة في وضع حرج، وذلك بعد أن تورطت في أكبر ملف فساد بالاشتراك مع سلطات الاحتلال لتوريد لقاحات منتهية الصلاحية للأراضي الفلسطينية مقابل تسليم الاحتلال لقاحات أخرى خصصت لدعم الشعب الفلسطيني، على أن تتربح بعض قيادات السلطة ماديا من وراء الأمر، دون الاكتراث لخطر هذه الصفقة المشبوهة.
لذلك قررت هذه القيادات الفاسدة تصفيته جسديا لإسكات صوت الحقيقة، وردع المعارضين، ونشر ثقافة الخوف في أوساط النشطاء، والإعلاميين، والسياسيين، والحقوقيين، وغيرهم، لوقف حالة الانتقاد المتنامية ضد أداء السلطة، وممارساتها غير الأخلاقية التي انحرفت عن المصالح الوطنية وأصبحت منسجمة مع مصالح الاحتلال.
فالمعارض السياسي نزار بنات يمثل مصدر إزعاج مباشر لقيادة السلطة، فهو على الدوام ينتقد ويكشف الحقيقة في كل الملفات بكل جرأة ودون أي تردد، ويبث عشرات الفيديوهات لجماهير شعبنا حتى أصبح أيقونة وعنوانًا مؤثرًا وفعالًا، وهذا ما دفع الأجهزة الأمنية لملاحقته مرارا، واعتقاله وتعذيبه، وتوجيه تهم مختلفة له، ومحاولة اغتياله في منزله قبل مدة قصيرة من تاريخ هذه الجريمة المروعة.
لكن السلطة وعلى الرغم من حرصها على إخفاء ملامح الجريمة، ومحاولتها التهرب من المسؤولية، فشلت فشلا ذريعا في خداع شعبنا، وتم تكذيب روايتها من اللحظات الأولى، وأصبحت الجريمة "دافعا وحافزا" لإثارة الجماهير ضدها حتى انطلقت الفعاليات في كل مكان تهتف ضد السلطة وتطالب قياداتها بالرحيل.
فتوقيت الجريمة جاء في وقت حرج تمر به السلطة، خصوصا في ظل الانتكاسات المتكررة وانهيار مشروعها السياسي، وتورطها في ملف التنسيق الأمني، وقيامها بإلغاء الانتخابات دون أسباب موضوعية، وتخليها عن القدس، وانخفاض شعبيتها بعد معركة سيف القدس بسبب أدائها السلبي المتخاذل، الأمر الذي جعلها في موقف صعب أمام شعبنا الذي ينادي اليوم برحيلها، لشعوره بأنها أصبحت حملا ثقيلا عليه، بل عبئًا كبيرًا في طريقه نحو التحرير من الاحتلال.
هذا بالإضافة لتراجع مكانتها أمام المجتمع الدولي خصوصا الإدارة الأمريكية والأوروبيين الذين أضحوا منزعجين من أدائها بسبب سرقة أموال المنح والمساعدات، وعدم تجديد شرعية المؤسسات، وفقدان القدرة على تمثيل كل الفلسطينيين، والاستمرار في حالة القمع والملاحقة، التي نتج عنها الجريمة الأخيرة التي أخذت قسطا كبيرا من الاهتمام الدولي.
لهذا فإن الجريمة لن تمر مرور الكرام، وربما تؤسس لتغيير كبير في الساحة الفلسطينية، وذلك في ظل حالة الاحتقان والغليان في الشارع الفلسطيني، التي لن تتوقف آثارها لساعات أو أيام قريبة، بل سيكون لها ارتدادات ليست بسيطة على مكانة السلطة وشرعيتها السياسية، وحتى على صعيد دور أجهزتها، فإن تكرار الجرائم بهذه الصورة سيجعلها في حالة صدام مباشر مع شعبنا لأنها توازي بفعلها أفعال وجرائم الاحتلال.
وختاما فإن شعبنا يدرك تماما أن المسؤول المباشر عن الجريمة هو رئيس السلطة محمود عباس، ورئيس الحكومة محمد اشتية، وقادة الأجهزة الأمنية، ولا حاجة لإجراء تحقيقات من قبل الحكومة في رام الله، لأن الخطوة جاءت لطمس الحقائق، وتهدئة الرأي العام، وغرضها إعفاء الجناة الحقيقيين من الفعل، عبر البحث عن أسباب أخرى للوفاة تؤدي لتهرب السلطة من مسؤوليتها عن هذه الجريمة.
لكن المؤسسات الحقوقية المستقلة يمكنها إجراء تحقيق محايد شفاف ونزيه بعيدا عن أي دور للسلطة في التحقيقات، وحينها يمكن التوصل لنتائج حقيقية تنشر للرأي العام، ويمكن إرسالها لكل المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لتتحرك في ضوئها نحو محاكمة الفاعلين في محاكم دولية لافتقار المنظومة القضائية في الضفة لأدنى مقومات العدالة، ولعدم قدرتها على محاكمة قادة السلطة والأجهزة الأمنية، لكونها مؤسسة تابعة وليست مستقلة وتخضع لتأثير السلطة التنفيذية.