فلسطين أون لاين

نزار بنات.. "خاشقجي فلسطين" دفع روحه ثمنًا لـ "رأيه الحر"

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

حينما اختار كثيرون الصمت على انتهاك حرية الرأي والتعبير بالضفة المحتلة رفع هو البطاقة الحمراء، وطرد الخوف من داخله، واختار المواجهة وقول: "لا"، رفضَ أن يكونَ في صفِّ الساكتين عن الظلم الذين يعملون بمبدأ "لا شأن لنا ما دام بعيدًا عنا"، فبات الناشط السياسي المعارض نزار بنات تحت عين السلطة وأجهزتها الأمنية، ليدفعَ ثمنًا من دمائه مقابل كلماته الرافضة لسياسات السلطة.

عنْون نزار مقطعه الأخير الذي نشره على مواقع التواصل "مقاومة بيتا محطة مختلفة دائمًا.. ممنوع الفشل" على مدار عشر دقائق علق على ما يجري في جبل "صبيح" الذي يحاول المستوطنون سلبه من أهالي قرية "بيتا"، في ذلك الوقت كانت أجهزة أمن السلطة تجهز له الكفن لوضع جثته بعد اغتياله، في مشهد يشبه اغتيال المعارض السعودي الصحفي "جمال خاشقجي".

وبين نزار وجمال اختلفت طريقة الاغتيال ولكن كان السببُ واحدًا وهو رفض السياسات الرسمية، والتعبير عن حرية الرأي والتعبير، الذي بات جريمة يقتل عليها المعارض.

التصفية الأخيرة

تمام الساعة الثالثة والنصف من فجر أمس الخميس، غفا نزار غفوته الأخيرة، قبل أن تقتحم قوة من جهاز الوقائي وجهاز المخابرات العامة مكوّنة من 25 ضابطًا وعنصر أمن أحد منازل العائلة التي يقطن فيها نزار، لم يتعاملوا مع نزار حسب بيان نشرته العائلة "وفق أي منطق أوْ قانون بل بكلّ عنفٍ وعنجهيّةٍ وقاموا بتفجير الأبواب والشبابيك ومداهمة المكان بالقوة ولم يُظهِروا أيّ مذكرة اعتقال أو توقيف".

ضرب نزار فورًا بالهراوات على رأسه وبقطعة حديديّة ومن ثم قاموا بإفراغ ثلاث علب غاز فلفل بشكلٍ كاملٍ في فمه وعلى وجهه، ولم تهدأ نارهم بعد ذلك، بل قاموا بالتمثيل في جسده وهو على قيد الحياة ثم اقتادوه لجهة غير معلومة.

لم يمر أكثر من ساعة حتى أعلن مستشفى "عالية" الحكومي عن وفاته، وأصدر محافظ الخليل بيانًا يقول فيه إن نزار توفي بنوبة "قلبية"، وماذا عن الضرب القاتل الذي تعرض له نزار على رأسه؟ سؤال لم تجد العائلة جوابًا عنه من مسؤولي السلطة الفلسطينية.

رفضت زوجته المكلومة بعينيها المحمرتين وصوتها المكسور تحت جناحي الحزن ما جاء في بيان محافظ الخليل: "نزار شهيد غصب عن الكل، لأنه كان يحكي كلمة حق، لا هو فاسد ولا مختلس، رفع شعار كلمة الحق عشان أولادي ما يعيشوا جبناء، وإذا قتلوا نزار حيطلع ألف بداله وأولاده مثله، والأجهزة الأمنية التي اعتقلته بصحة جيدة بعد ساعتين يجيني خبره متوفي، هم من يتحملون المسؤولية".

نزار الذي لم يطالب أكثر من تحقيق الشفافية لم تتسع له فلسطين على اتساعها، بل ضُيقت عليه، فلوحق وحوصر واعتدي عليه، لتعلق السلطة حرية الرأي على مشنقة الإعدام، وتسقط "الحرية المزعومة" التي تغنت بها، بعدما اغتالت ناشطًا سياسيًا.

ابن مدينة الخليل الصلب، اعتقل لدى السلطة ثماني مرات على خلفية نشاطه ضد الفساد، لكنها كلها لم تثنه عن مواصلة طريقه محاولا إصلاح المنظومة الحكومية ومطالبًا بحقه كمواطن وناشط بالحصول على المعلومات عن قضايا معينة.

عمل نزار في مجال النجارة منذ سنوات طويلة وهو مصمم "ديكورات"، لكن بعدما نشط سياسيًا صمم طريقًا سلكه ورسمه مرصعًا بألوان علم فلسطين، وحب أبناء بلده رافضًا أن تكون حياة الناس مغمسة بـ "طعم الذل والمهانة".

"تحياتي للجميع شفتوا الفضيحة الجديدة من شلة السرسرية بقيادة اشتية" أطل بعينيه الخضراوين وصوته الجريء على متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي في آخر مقطعين نشرهما، مهاجمًا ما فعلته السلطة مستغربًا كيف "حصلت السلطة على اللقاح الفاسد وأعطت اللقاح الفعال للاحتلال، لأن جماعتنا لا تفكر بعقلية الدولة وهم مجرد سرسرية، وأهم شيءٍ من هذا المبادلة أن يخرج لكل واحد (مسؤول) بعض الأموال".

شهيد الكلمة

لم يكن نزار يدرك أنه سيكون ضحية لحرية الرأي والتعبير، لكنه رسمَ في مخيلته توقعًا لما سيجري معه فقد كتب "حين تغتال السلطة أحد معارضيها تتصرف بالطريقة التالية: "التعميم على التنظيم ومنتسبي الأجهزة الأمنية بعدم الكلام في الموضوع، ومحاصرة حالة التعاطف، وبعد يومين أو ثلاثة يبدؤون ببث الإشاعات بأن الموضوع ليس سياسيًا أو اجتماعيًا، ويبحثون عن قصص تضع الضحية موضع شك".

كان نزار حاضرًا في قلب كل حدثٍ وطني، عن بيتا كتب "شهدت أول مجزرة هدم بيوت في الانتفاضة الأولى وهي اليوم تواجه مخططا استيطانية مهولا، وتجاهلا رسميا" متسائلا: "هل يكفي الاعتماد على أهلها فقط؟".

خالفت السلطة القانون الأساسي الفلسطيني وكل الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها بملاحقته واعتقاله، وخالفت كذلك الخطاب الرسمي الذي يؤكد دوما احترام حقوق الإنسان وحرياته دون انتقاص، أما اليوم فيها تتعالى على كل القوانين وترتكب جريمة بحق الإنسانية جمعاء، فلم يهدد الأمن العام ولم يعبر إلا عن رأيه، الذي بات جريمة في عرف السلطة.

المصدر / فلسطين أون لاين