في بيئة ذات طبيعة أمنية صعبة مثل احتفاظ المقاومة الفلسطينية بالجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" طيلة خمس سنوات، أكثر عمليات الأسر تعقيدًا في العقود الأخيرة، نظرًا لحجم الضغوط التي مورست على المقاومة وقطاع غزة للإفراج عنه، لكن المقاومة بقيت متمترسة على موقفها إلى أن انتهت العملية بتحرير 1027 أسيرًا، في عام 2011م، في صفقة تبادل عرفت باسم "وفاء الأحرار".
ففي 25 يونيو/ حزيران 2006، تمكن مقاومون من كتائب القسام، وألوية الناصر صلاح الدين، وجيش الإسلام، في عملية عسكرية نوعية أطلقت عليها الفصائل اسم "الوهم المتبدد"، من أسر جندي المدفعية الإسرائيلي "جلعاد شاليط" من داخل دبابته في موقع "كرم أبو سالم" العسكري شرق رفح جنوبي قطاع غزة.
وكما فعل الاحتلال إبان أسر الجندي شاليط، يحاول ابتزاز المقاومة عبر اشتراطه على حركة حماس إعادة 4 جنود إسرائيليين أسرى لديها في غزة، قبل انطلاق أي عملية لإعمار القطاع الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني وتحاصره (إسرائيل) منذ صيف 2006، وهذا ما ترفضه الحركة.
هذا الأسلوب ثبت فشله، فقد كشف نائب قائد أركان كتائب القسام مروان عيسى في برنامج "ما خفي أعظم" بثته قناة الجزيرة، في 6 يونيو الجاري، أنه بعد خطف شاليط مباشرة تدخلت بعض الجهات لرفع الحصار مقابل تسليم الجندي الإسرائيلي، "لكن كنا مستعدين لكل المراحل وأخفينا الجندي ورفضنا الإفراج عنه مقابل رفع الحصار ثم الإفراج لاحقًا عن بعض الأسرى".
إدارة الملف بامتياز
ويقول الخبير الأمني، كمال تربان، إن تمسك المقاومة بشروطها حتى النفس الأخير هو أحد العوامل التي كانت سببًا في إدارة ملف شاليط بامتياز، بعدما استطاعت المحافظة على الجندي "شاليط" في غزة ذات الطبيعة الأمنية المعقدة.
وأضاف تربان في حديثه لصحفية "فلسطين": "رأينا المشاهد وهو يلعب كرة القدم ويوضع في بيئة مريحة، ما يدلل على أن المقاومة أدارت الملف باقتدار وامتياز، وحافظت على سرية الأسر وإخفائه بطول نفس وهدوء وإصرار".
ولفت إلى أن الاحتلال قبل عام ونصف من إنجاز صفقة "وفاء الأحرار" بدأ يتزحزح وأدرك أن هناك ثمنًا يجب دفعه، فهذه "النتيجة وصل إليها بعدما يئس من كل المحاولات في الوصول إليه، ولم يجد طرف خيط يوصله للجندي شاليط".
ويعتقد الخبير الأمني أن طول مدة الأسر في صالح المقاومة لكونها قادرة على إخفاء الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها، والاحتفاظ بهم مدة طويلة، ولديها تجربة سابقة.
وعد تربان أن كل يوم يمضيه أسرى الاحتلال في قبضة المقاومة يعد شتيمة لجيش الاحتلال ويشكل ضغطًا على حكومته أكثر مما يشكل بقاء الأسرى الفلسطينيين أعوامًا إضافية في سجون الاحتلال.
إلا أنه يرى أن حجم الضغوط التي مورست على المقاومة أيام الجندي شاليط أضعاف ما يمارس على المقاومة اليوم، وذلك نابع من قناعة لدى الاحتلال والوسطاء أن العدوان لن يثمر.
3 مستويات
يسقِط المختص الأمني محمد أبو هربيد ذكرى "شاليط" على ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى في ثلاثة مستويات، الأول هم أسر الجنود وعائلاتهم فتعطيهم الذكرى أملًا أنه من خلال صفقة يمكن عودة أبنائهم، ولا يوجد طريق غير ذلك لعودتهم، وهذا ما يدفعهم لتشكيل ضغط على المستوى الثاني وهي القيادة السياسية التي تحاول تجاوز الذكرى دون تشكيل أي هاجس لذويهم الذين ينظرون برمزية للجيش.
وقال أبو هربيد لصحيفة "فلسطين": إن "المستوى الثالث هو جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية، التي فشلت في استعادة شاليط دون ثمن"، مشيرًا إلى أن القيادة السياسية والجيش في حالة حرَج وضعف أمام عائلات الجنود، وليس أمامهم إلا إنجاز صفقة مع المقاومة إلا بشروط.
ويعلق على إدارة ملف "شاليط"، بأن "إدارة ملف الأسرى مسألة ليست بالهينة، وأن مسألة التخطيط لأسره وإخفائه مدةً طويلة من الزمن وإدارة المفاوضات وتجاوز كل العقبات الأمنية، والضغط التي مارسها الاحتلال سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا، وابتزاز أهل غزة والتأثير في الحاضنة الشعبية لصالح دفع المقاومة للتنازل، من ثم أصبح لدى المقاومة خبرة".
ويعتقد أبو هربيد، أن تجربة أسر شاليط كانت أعقد من ملف الجنود الحالي، وإدارة الملف أصبحت أكثر سهولة لدى المقاومة، أما إنجاز الملف فيعتمد على سلوك حكومة الاحتلال، وهو ما يعطي قوة للمقاومة أمام الوسطاء والاحتلال.
وبين أن هناك حكومة إسرائيلية جديدة أكثر تطرفًا برئاسة نفتالي بينيت، الذي يحاول تغيير قواعد الاشتباك، بتبهيت انتصار المقاومة في معركة "سيف القدس"، وإشغال غزة بأوضاعها الداخلية، لكنها في الحقيقة هي مزايدة داخلية إسرائيلية وعملية استعراضية.