فلسطين أون لاين

لن تتخيلوا سبب تسمية (إسرائيل) لها

تقرير "حارس الأسوار".. فاتحة التطبيع تُبعث من جديد

...
صورة تعبيرية
غزة- محرر فلسطين أون لاين:

تطرح أسماء المعارك القتالية علامات استفهام حول أهميتها ودلالتها النفسية والإيديولوجية، ومنذ زمن بعيد اهتم أصحاب المعارك بتسميتها حتى ولو بعد حين؛ فكان لكل معركة اسمها الذي يصفها أو يصف دلالة أو هدفاً متعلقاً بها.

وعُرف جيش الاحتلال الإسرائيلي باختياره تسميات دينية مستمدة من التوراة المزعوم نقلها عن سيدنا يوسف نبي الله، لعلها تدفع بالجيش للاستماتة في الدفاع عن (أرض الميعاد) المزعوم، وتُرهب الخصم، من خلال التأكيد على أن المعركة هي معركة عقيدة وبالتالي فإن خائضوها هم أصحاب حق.. هكذا يأملون.

لكنّها الحرب النفسية.. والتي تحتل مكانة في الحروب توازي مكانة السلاح والتخطيط العسكري.. وكذا الحال، فقد اختارت فصائل المقاومة الفلسطينية ومن بينها حركة "حماس"، أسماء ذات دلالة دينية مثل (الفرقان 2008م) و(حجارة السجيل 2012م) و(العصف المأكول 2014م) وغيرها، ولعل سبب مسماها يعود لنفس العلة التي ذكرناها آنفاً، مع فارق مهم وهو: من هم أصحاب الحق الحقيقيون؟

وفي المعركة الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، رداً على اعتداءاته في القدس على المسجد الأقصى والمقدسيين، فإن المقاومة الفلسطينية اتفقت ولأول مرة على توحيد اسم معركتها مع جيش الاحتلال، فأسمتها معركة (سيف القدس 2021م) فلم تطلق عليها اسم مستمد من القرآن والسنة، بل سمتها اسم مستمد من روح الحَدث، فكانت القدس حاضرة قائمة في المسمى والهدف، كما كان للسيف ودلالاته التاريخية في الفتوحات الإسلامية رسالة واضحة بأن للبيت رب يحميه، وللقدس رجال تدافع عنه.

وعلى الطرف الآخر؛ اهتم الاحتلال كعادته بتسمية المعركة، لكن هو أيضاً اختار رهن اسم معركته في القدس بعيداً عن رموز التوراة المزعومة، فاختار لها اسم (حارس الأسوار 2021م) تيمناً باسم أغنية (إسرائيلية) مشهورة، جوقة الوسط في جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1977، والتي تروي حكاية جندي (إسرائيلي) يعمل على حراسة أسوار القدس، وهو ما تداولته وسائل الإعلام ومواقع الترجمات العبرية العديدة.

والمفاجئ في الأمر لمن لم يراجع تاريخ المنطقة والصراع الفلسطيني والعربي مع الاحتلال الإسرائيلي هو تاريخ هذه لأغنية.. نعم 1977م، والسؤال الذي يطرح نفسها ما دلالة هذا التاريخ وما علاقته بأغنية (حارس الأسوار) إن سلمنا جدلاً بأن هذا التاريخ لا توجد به حروب عربية مع الاحتلال؟

في عام 1977 غنت جوقة الوسط في جيش الاحتلال لـ(حارس الأسوار) والتي تروي حكاية جندي (إسرائيلي) يعمل على حراسة أسوار القدس، حيث تغنت بتفانيه في الدفاع عن القدس وحفاظه عليها (بيد الاحتلال) لتبقى (عاصمة) مزعومة له إلى أن يشاء الله غير ذلك..

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف حصل هذا النصر المزعوم للاحتلال في هذا العام دون خوض أي حرب مع الفلسطينيين أو العرب؟ بل على العكس تماماً فإن هذا العام جاء بعد سنوات قليلة من حرب1973التي انتكس فيها الاحتلال وجيشه على يد مصر وسوريا اللتان باغتتا دولة الاحتلال قبل أن تتدارك الأخيرة نفسها وبدعم حلفائها لتحوز نصراً علنياً لم يستطع أن يدفن حقيقة هزيمة أقوى جيش في الشرق الأوسط.. فما سبب هذه النشوة (الإسرائيلية) التي جسدتها أغنية (حارس الأسوار)؟

إنه (السلام) وحتى أكون أكثر دقة في الوصف، إنه (وهم السلام) الذي حمله الرئيس المصري في حينه أنور السادات إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال زيارته التاريخية للقدس المحتلة وبرلمان الاحتلال (الكنيست) معترفاً بدولة الاحتلال وسلطتها على مدينة القدس الفلسطينية كـ(عاصمة) مزعومة لها، وهو ما اعتبره المراقبون تدشين لعهد جديد من العلاقات (الإسرائيلية) مع العرب، هو عهد التطبيع والمسالمة والمداهنة العربية مع المحتل الإسرائيلي للأراضي العربية الفلسطينية.

تلا هذه الزيارة توقيع اتفاقية (كامب ديفيد 1978) برعاية أمريكية بين السادات ومناحيم بيغن زعيم حزب الليكود اليميني المتطرف، والذي كان رئيساً لوزراء الاحتلال في حينه، وسجله حافل بالمجازر ضد الفلسطينيين حيث كان رئيساً لعصابة الأرجون قبل احتلال فلسطين وأيديه ملطخة بدماء الفلسطينيين في مجزرة دير ياسين الشهيرة عام 1948، ومتورط في نسف مقر القيادة البريطانية – فندق داوود باشا- في القدس أيضاً عام 1948، واغتيال الوسيط الدولي للأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت -سويدي الجنسية- بسبب اقتراحه وضع حد للهجرة اليهودية ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية، ناهيك عن قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وانتهاءً باجتياح لبنان عام 1982 للقضاء على المقاومة الفلسطينية – الفدائيين- التي لجأت للجنوب اللبناني.

وعليه؛ نستنتج أن الاحتلال الإسرائيلي أراد من خلال تسميته للعدوان على قطاع غزة (حارس الأسوار) تذكير سكان الاحتلال بنشوة انتصاره الآفل في القدس المحتلة وانتزاعه اعترافاً من أكبر دولة عربية دافعت عن الفلسطينيين باحتلاله لها وسلطته عليها، تطبيقاً للمثل العربي القائل: " عندما يُفلس الجندي يبحث في دفاتره القديمة"، وكأن دولة الاحتلال سعت من وراء هذا الاسم إلى حفظ ماء وجهها أمام جمهورها الذي كان يتابع تصريحات الناطق باسم كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس- أبو عبيدة ويلتزم بتعليماته خاصة فيما يتعلق بحظر التجوال في مدينة (تل أبيب) العاصمة التجارية للاحتلال وهو ما شكل صفعة قوية لجبهة الجيش الذي بات في كل جولة "يُقهر".