قائمة الموقع

في معاملة أسرى الاحتلال.. المقاومة انطلقت من مبادئ الشريعة

2021-06-19T12:51:00+03:00
جلعاط شاليط.png

تابع الشعب الفلسطيني، بل الأمة العربية والإسلامية بشغف واضح، حلقة ما أخفي أعظم التي بثتها قناة الجزيرة الفضائية، وقدمت من خلالها مشاهد تلفزيونية بينت معاملة المقاومة مع الأسير السابق الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط، وأظهرت من خلالها أخلاق الشريعة الإسلامية.

وبالوقت ذاته أظهرت المقاومة بعضًا من جهودها المبذولة والتضحيات من أجل العمل على تحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي والسعي إلى إبرام صفقات مشرفة.

منطلق المقاومة

عند التأمل في الشريعة الإسلامية وأحكامها نجدها تتصف بالعموم والشمول؛ فهي لم تترك شيئًا من مقتضيات الحياة إلا وكان لها حكم فيه، وبذلك فإنها عملت على توضيح العلاقات التي تربط المسلم بربه، وعلاقة المسلم مع أخيه المسلم، وكذلك لم تغفل عن تنظيم العلاقة التي تربط المسلم بغير المسلم، وبذلك اتصفت بالشمولية التي لا مثيل لها، وقدمت أروع الأخلاق الراقية مع غير المسلمين.

وحينما امتدح الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4)، فعندما نتأمل ذلك نجد أن عليه الصلاة والسلام يتحلى بأدب عظيم، وهو أدب القرآن الذي أدَّبه الله تعالى به، وهو الإسلام العظيم وشرائعه.

وعَنْ أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرِ ابْنِ أَخِي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا"، وَكُنْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَكَانُوا إِذَا قَدِمُوا غَدَاءَهُمْ أَوْ عَشَاءَهُمْ أَكَلُوا التَّمْرَ وَأَطْعَمُونِي الْخُبْزَ بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ.

وأظهرت حلقة ما خفي أعظم أن كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، تطبق ذلك في تعاملها مع أسرى الاحتلال الإسرائيلي، إذ يقول أستاذ الفقه المقارن المشارك د. ماهر السوسي: "المسلم ينطلق في تصرفاته وسلوكه في جميع مناحي الحياة دون استثناء من منطلق العقيدة، فهي التي ترسم سلوك المسلم وتبين له المباح والمحظور، وهذا كله يكون من وضع الله تعالى"، ويسترشد بذلك قوله تعالى: "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ" (يوسف:40).

ويتابع بحديثه لمراسلة صحيفة "فلسطين": "الله تعالى هو الحاكم، وعليه يجب التزام أحكام شرعه، التي من بينها؛ كيفية التعامل مع الأسرى".

حقوق الأسرى

ويبين أن المسلم لا يكره غيره من البشر، والأصل أن المسلم لا يضع في قلبه ظلمًا لأي إنسان، إنما يكره من الشخص سلوكه أو التصرف الذي فيه ظلم أو يجر إلى ظلم أو هو مخالف لشرع الله تعالى.

ويوضح في حديثه قائلًا: الإسلام قرر للأسرى مجموعة من الحقوق وعلى رأسها حق الحياة، وحق العلاج إن كان الأسير جريحًا أو مريضًا، وحق حفظ الكرامة الإنسانية، وغيرها من الحقوق المعروفة التي تميزت بها الشريعة الإسلامية".

ويشير إلى أن المواثيق الدولية التي تتحدث عن حقوق الأسرى هي بالأصل مستمدة من أخلاق ومبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا الأمر يؤكد تحضر الأمة الإسلامية التي سبقت القوانين الوضعية.

ويذكر بالقول: "إذا تتبعنا المواثيق الدولية فسنجد أن التشريع الإسلامي قد سبقها في المحافظة على حقوق الأسرى".

التشريع الإسلامي

ويسترشد السوسي في قوله تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا" (الإنسان:8)، فعند التأمل في هذه الآية الكريمة، فإنها تؤكد مدح الذي ينفق حبًّا وطوعًا بحيث تشمل نفقته الأسير.

ويضيف: "من خلال الوقائع، فإن الفقهاء قد أجمعوا على عدم قتل الأسير إذا ألقى سلاحه واستسلم، فلا يجوز قتله إذا استسلم ، ولا بد من علاجه إن كان مصابًا".

ويسترشد بقوله تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة:190)، وهو بذلك يرشد إلى عدم الاعتداء على من امتنع عن الحرب وقتل المسلمين، وبذلك يكون المسلمون قد قدروا عليه.

ويلفت إلى أنه بذلك يكون الإسلام قد وفر للأسير كل مقومات الحياة بلا استثناء، وعلى ذلك تعاملت المقاومة مع الأسرى فإنها تنطلق من مبدأ العقيدة.

واجب الأمة

وفي كل معركة مع الاحتلال الإسرائيلي لا تغفل المقاومة عن الهدف المهم، وهو تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، إذ يقول السوسي: "تحرير الأسرى هو هدف المقاومة، والعمل على تحرير الأسرى هو واجب مُلقًى على الأمة العربية والإسلامية وليس على المقاومة الفلسطينية فحسب؛ فتحريرهم فرض".

ويسترشد بذلك عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ"، والمقصود بالعاني هو الأسير، والأمر هنا يفيد الوجوب، فهو واجب على أمة الإسلام وليس المقاومة فقط، إلا أنها تحملت عبء تحرير الأسرى نيابة عن الأمة التي "تقاعست عن دورها".

ويشير إلى أن تحرير الأسرى واجب حتى لو نفد كل ما في خزينة الدولة من مال من أجل العمل على تحريرهم.

ويتابع: "المقاومة كانت تهدف إلى أسر جنود الاحتلال من أجل تحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال".

وحينما ننظر إلى ما سبق نرى صورة مشرقة قدمتها المقاومة في معاملة أسرى الاحتلال، فهي منطلقة من عقيدة راعت بها الحقوق الإنسانية، وبالوقت ذاته وضعت يدها على الزناد من أجل تحرير الأسرى في سجون الاحتلال.

اخبار ذات صلة