وقف مهند الثلاثيني يتأمل بحسرة أنقاض منزل والده جلال، يجول بناظريه إلى الجهة التي كانت تقع فيها شقته التي لم يمضِ على انتهاء تشطيبها سوى شهر، وأثاث شقة والديه التي أصبحت ركامًا، بعدما هوى المنزل بالكامل بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي.
بين الركام صمد حزام البيت الذي حفر عليه عام 1945، وأُسس قبل نكبة 1948، فقد ورث جلال البيت عن أجداده وأعاد بناءه.
وضع الأب جلال كل "تحويشة" العمر لكي يبني بيته من طابقين على مساحة 350 مترًا مربعًا، بعد أن دمره الاحتلال في عدوان 2008.
قبيل دقائق من إعلان وقف العدوان، الذي دخل حيز التنفيذ فجر 21 مايو/ أيار، تجمع جلال وأبناؤه وابنه المتزوج وأطفاله في الطابق الأرضي حيث تسكن والدته، ليكون مصيرهم النزوح والتشتت بسبب قصف المنزل.
جلال تقاعد قبيل شهر من قصف بيته ولم يتسلَّم راتبه التقاعدي بعدُ، وكان لديه مخازن يؤجرها وحصل على الإيجار قبلها بأيام، كانت زوجته نبهته للإسراع لجلب المال من الشقة، ولما سألته عما إذا استطاع جلب المال، فكان رده بالنفي.
يصف مهند رد فعل والده حينما شاهد شقا عمره أصبح ركامًا، حيث سألوه "ايش يا حج"، فكان هادئا صبورا على غير عادته فهو يتصف بالعصبية"، مجيبا: "الحمد لله، ولا أضفر ولد من ولادي".
نام جلال ليلته في بيت أخيه الذي يبعد قليلا، نظر النظرة الأخيرة إلى منزله المدمر، ثم صلى العصر وذهب إلى والدته ليطمئن عليها بعد ليلة مليئة بالرعب والحسرة، جلس معها وتبادلا الحديث، ثم اتصل بابنه مهند لكي يرافقه إلى البيت.
استعجل جلال وخرج مودعا والدته، وفجأة وقع على الأرض فأمسكت بيده ابنة أخيه وهو يردد "أخ يا قلبي"، في هذا الوقت كان مهند قد وصل، اتصل بالإسعاف فورا ولكنه تأخر، فنقله في سيارة إلى المستشفى ولكنه وصل جثة هامدة.
كما أخبر ابنه مهند أن والده مات حسرة على فقدان بيته أمام عينه، حيث كان يخطط أن يجهز شقة باسم طفلة ابنه الشهيد ولكن حلمه أصبح سرابا.
مهند تزوج منذ أربعة أعوام عاش طيلتها في شقة والده، حتى استطاع أن يجهز شقته بالتقسيط، ولكن فرحته بانتهاء تجهيزها لم تكتمل بعدما دمرت، وبقيت الأفكار تتصارع في عقله: كيف سيتمكن من دفع الأقساط بعد أن فقد شقة عمره ووالده في ساعات قليلة؟