صعّد الاحتلال الإسرائيلي مرة أخرى من إجراءاته في "الشيخ جراح" بالقدس المحتلة، محاولًا كما تبدو الصورة جس نبض الشعب الفلسطيني ومقاومته، تمهيدًا لاتخاذ خطوة متقدمة أو التراجع والتأجيل للخلف، خاصة أن الصورة الدولية الرافضة إخلاء عائلات فلسطينية بالحي المقدسي لا تبدو في صالح الاحتلال، وهذا ما قد يدفع حكومة (تل أبيب) إلى وقف مخطط التهجير في تغيير للسياسة باتجاه الضغط على السكان لدفعهم إلى الرحيل بأنفسهم.
ومنذ 13 أبريل/نيسان الماضي تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من جراء اعتداءات وحشية ارتكبتها شرطة الاحتلال ومستوطنوها في مدينة القدس المحتلة، بخاصة في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، في محاولة لإخلاء 12 منزلًا فلسطينيًا وتسليمها لمستوطنين.
تغيير حقيقي
أمام ذلك، يرى الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، أن هناك تغييرًا حقيقيًّا طرأ على المعركة، بعد أن حاول الاحتلال جعلها صراع ملكية تتحكم فيه المحكمة العليا الإسرائيلية، إلى قضية ذات طبيعة سياسية، وبالتالي انتقلت السياسة الإسرائيلية مع هذا التغيير من التهجير إلى الضغط على السكان لدفعهم إلى الرحيل بأنفسهم، وهذا ما يدلل على أنها لم تحسم معركة الشيخ جراح.
يقول ابحيص لصحيفة "فلسطين": إن المهلة المعطاة للمستشار القضائي لحكومة الاحتلال والتي يفترض فيها أن يقدِّم تبريره عن سبب نقل الملكية للجماعات الاستيطانية، تنتهي يوم غد الثلاثاء، لكن استباقًا للمهلة من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي يصعِّد بعدما اعتدى على صحفيين، واعتقل الناشطة منى الكرد، وهذا التصعيد يحتمل أن يكون في أحد اتجاهين، الأول: أن يقوم الاحتلال باستكشاف إمكانية فرض الإخلاء دون وجود رقابة صحفية، بحيث يستيقظ الشعب الفلسطيني والعالم على فرض أمر واقع.
ويستدرك ابحيص: "لكن بالوضع السياسي الحالي ووجود تهديد عسكري من غزة، والموقف الدولي والأمريكي الرافض، سيكون صعبًا على الاحتلال ذلك، حتى لو أقر الإخلاء فإنه يمكن التراجع عنه".
والاتجاه الثاني، كما تابع، أن الاحتلال يحاول استعراض القوة ويضطر لدحرجة الأمور إلى الأمام، "لكن رغم ذلك سيضطر لتراجع على شكل تأجيل متتالٍ على أمل أن تبرد القضية".
وقال: "بكل الأحوال محاولة إخلاء سكان الأحياء المقدسية والتعويل على التراجع الشعبي ستبقى مستمرة ولن يستسلم الاحتلال بسهولة، أما نحن فسنخوض المعركة بالتعويل على المثابرة والاستمرار بالمواجهة، مثلما حصل بمصلى باب الرحمة فكان هناك سعي من الشرطة الإسرائيلية، منذ عامين لإغلاقه ولم تتمكن من ذلك".
وأضاف: "يمكن تنفيذ ذلك في الشيخ جراح حتى لو صدر حكم من المحكمة العليا الإسرائيلية، كما جرى بالخان الأحمر خاصة أن هناك قرارًا إسرائيليًّا قضائيًّا غير قابل للاستئناف واضطر نتنياهو لتأجيله تحت الضغط الدولي".
وبحسب ابحيص، فإن أهمية "الشيخ جراح" متمثلة أنه كان مقرًّا للوجود السياسي الفلسطيني على مدار عقود طويلة، وهناك رغبة إسرائيلية بفصل التواصل داخل البلدة القديمة والشيخ جراح، لكن "رغم ذلك لم تعد البيئة الدولية والإعلامية لصالحه، والمقاومة أصبحت جزءًا من هذه المعركة والقرار".
انتقام
من جانبه يقول محمد دحلة، محامي عائلات فلسطينية مهددة بالتهجير في الشيخ جراح: إن الاحتلال وبعدما شعر أنه هُزم بمعنى أو بآخر، في وقت كان يعتقد أن إخلاء العائلات بالحي كان وشيكًا، حدثت معركة "سيف القدس" وجرى خلط الأوراق فإنه يحاول الانتقام.
وأضاف دحلة لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال يحاول أن يجد مخرجًا لائقًا للموضوع خاصة أن قضية "الشيخ جراح" كانت الشعلة الأساسية لكل ما شهدته الأسابيع الأخيرة، وأصبحت قضية عالمية يتحدث عنها العالم، والتي ترفض إخلاء الحي وهذا ما أعاد للقضية الفلسطينية رونقها ومكانها الذي يليق بها على المنصة العالمية، وكُسِرت هيبة جيش الاحتلال وشرطته.
لكن الاحتلال، وفق دحلة، يحاول تعويض ذلك من خلال الاعتداء على السكان والمتضامنين، كنوع من الانتقام، ويعتقد أن الأنظار تتجه إلى مناطق أخرى بالمنطقة، وبإمكانه الآن فرض هيبته المفقودة في الشيخ جراح.