أرسلت إسرائيل رسالة تهديد مجددا للمقاومة الفلسطينية في غزة عبر الطائرات المسيرة من نوع (كواد كابتر) والتي حلقت بالعشرات وعلى علو منخفض في مناطق متفرقة في قطاع غزة، هذه الطائرات كان جزء منها كما أشارت مصادر مقربة من المقاومة "مفخخة أو مذخره" بمعنى أنها جاهزة لتنفيذ هجمات ضد أهداف في غزة.
بينما كانت المقاومة جاهزة ومتهيئة لسلوك من هذا النوع، ورصدت الطائرات فور دخولها لقطاع غزة، وتم مواجهتها بالأسلحة الرشاشة وتم إصابة عدد منها وأجبرت هذا الطائرات على المغادرة ومنعت من استكمال أي مهمات كانت تنوي تنفيذها.
دخول هذه الطائرات لم يكن الأول من نوعه فقد نفَّذ الاحتلال عشرات المهمات المشابهة في أجواء القطاع، والتي تنوعت بين الاستطلاع وجمع المعلومات، وتحديد الأهداف، والاغتيال، ومساندة القوات على الأرض، لكن اللافت استخدام سرب طائرات، وإدخاله بالتزامن في كل مناطق القطاع، في ظل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وجهود الوسطاء لتطوير الأمر وصولًا إلى إبرام تهدئة أو هدنة طويلة.
هذا يعني أن الاحتلال في مأزق حقيقي؛ 1- لكونه عجز عن تحقيق صورة النصر، 2- ويفشل حتى الآن في تمرير شروطه أو حتى إسقاط شروط المقاومة فيما يتعلق بالقدس، 3- وعدم قدرته على ابتزاز المقاومة وبالتحديد (حركة حماس) فيما يتعلق بملف الإعمار، 4_ وفشله في إنجاز ملف الأسرى وفق الرؤية الإسرائيلية، و5_ استمرار حالة التلاوم وتبادل الاتهامات بين المستويات السياسية والأمنية الإسرائيلية من جراء فشل العملية العدوانية (حارس الأسوار) وفق التسمية الإسرائيلية.
الأمر الذي يدفعه لبحث خيارات مختلفة لاستعادة حالة الردع المتآكلة بعد انتهاء هذه العملية والتي فشلت فيها قيادة الاحتلال من تحقيق أي أهداف عسكرية وسياسية، وبالتالي فإن هذه البيئة تشكِّل حافزًا للاحتلال للقيام بمهامات نوعية بدلًا من شن هجمات عبر الطائرات الحربية بمعنى أن يكون ضمن الخيارات القيام بعمليات اغتيال صامتة تستخدم فيها إسرائيل القاذفات لتصفية قيادات من العيار الثقيل وربما يكون الهدف مرتبطًا بشخصيات بعينها لها علاقة مباشرة بإعطاء قرارات وتوجيهات بقصف تل أبيب.
لأن العدو الإسرائيلي يدرك تمامًا أن الاغتيال المباشر بالوسائل التقليدية عبر الطائرات ربما يؤدي إلى تدهور الأوضاع واندلاع جولة جديدة من القتال، لذلك فتنفيذ مهمات الاغتيال بطرق أخرى قد تكون تبعاته وتداعياته أقل أثرًا على الاحتلال خصوصًا إذا ما نفَّذ هذه المهمات دون الإعلان والتزم الصمت تجاه العملية ليتهرب من دفع الثمن.
لكن ذلك لا يغيب عن تقديرات المقاومة التي نجحت تمامًا في حماية قياداتها وتحصين مقدراتها العسكرية وسط المعركة الشرسة التي كانت تدور على مدار 11 يومًا والتي أثبتت خلالها المقاومة أن لديها تدابير وقائية واحتياطات أمان متقدمة أدَّت إلى فشل كل المساعي الاستخبارية الإسرائيلية في الوصول إلى هذه الأهداف.
وبالتالي فإن هذه الرسالة التي تحاول إسرائيل تمريرها في هذا التوقيت الحساس وهذه المحاولات اليائسة لن تمررها قيادة المقاومة مرور الكرام لأنها تعتقد أن ما حدث هو تطور خطِر سيتم التعامل معه وفق آليات وطرق معينة وربما يجد الاحتلال جوابًا مناسبًا لهذا السلوك العدواني على كل الصعد بما فيها الرد من خلال الوسطاء، وإعطاء الضوء الأخضر لبعض الوحدات في الميدان لإرسال رسائل من ذات المستوى لكي يعلم أن العدو أن تكلفة فعله ستكون باهظة.
ويمكن القول إن العدو الإسرائيلي غير مأمون الجانب وقياداته هم دعاة حروب ويستثمرون كل لحظة للنيل من الفلسطينيين ولا يمكن أن يتوقفوا عن القتل والعدوان بأي حال مهما أثمر الجهد السياسي ومهما بلغ زخم الضمانات الإقليمية والدولية؛ لأن هذا الكيان تعاظم على حساب الدماء والأشلاء، والنيل من الحقوق الفلسطينية والعربية، لذلك فإن انهيار الأوضاع وميلها نحو التصعيد وارد جدًا على الرغم من كل التقديرات التي تنظر لعدم جاهزية الجبهة الداخلية وعدم استقرار الوضع السياسي.