قائمة الموقع

الشهيد محمد أبو عون.. "آخر العنقود" ودع والدته ورحل

2021-05-31T08:48:00+03:00

بعد سبعة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، التزم محمد بيته تنفيذًا لأوامر والدته دون خروج منه خوفًا عليه من القصف الذي يمس البشر والحجر والشجر، ولكن حالة الملل التي سيطرت عليه جعلته يجلس في فناء البيت ليقضي بعض الوقت الذي يمضي من حياته.

حينئذ أبت صواريخ الاحتلال إلا أن تصل شظاياها إلى صدره عندما انطلقت تجاه مجموعة من الشباب المدنيين في شارع بيتهم.

محمد أبو عون (19 عامًا) من سكان شمال غزة، آخر العنقود، ووردة البيت كما تصفه والدته، قبل رحيله عن الدنيا أبى إلا أن يودع والدته قبل أن تودعه، رغم استقرار الشظايا في صدره إلا أنه دخل إلى بيته وصعد الدرج ليرى أمه آخر مرة، وما إن وصل إليها وودعها، واستقر في أحضانها، قال لها بأنفاس متثاقلة: "أمي، أنا مخنوق مش قادر أتنفس"، وألقى بثقله عليها.

كان هذا المشهد بوجود شقيقه الأكبر نبيل الذي كانت العلاقة بينهما أشبه بـ"ناقر ونقير"، ومع ذلك فهي قوية ومتينة فتربطها صداقة وأخوة، فزَّ مسرعًا من مكانه ليكشف عن صدره، ليجد ثقبًا ينزف دمًا في الجهة اليمنى، فاستنجد به: "إسعاف.. إسعاف"، ووالدتهما تصرخ: "محمد استشهد"، كان يعتقد أنه خائف مفزوع من شدة صوت القصف، وفي أثناء نقله بسيارة الإسعاف إلى المستشفى فارق الحياة دون أن يحقق شيئًا من أحلامه البسيطة.

في حديث مع صحيفة "فلسطين" يشير نبيل إلى أنه بعد إجراء الكشف الطبي على محمد في المستشفى الإندونيسي أخبره الأطباء أن الشظايا تسببت له بنزيف داخلي على إثره فقد حياته.

تلك الأحداث التي مرت في دقائق معدودة ما زالت تضج في أعماق قلبه وعقله، هذا عدا عن الشريط الذي يمر أمام ناظريه لأفعال وتصرفات محمد، وأحاديثه معه عن أحلامه التي يود أن يحققها على أرض الواقع بعد أن اختار المجال الذي أحب دراسته.

ويوضح نبيل أن شقيقه محمد ترك مقاعد الدراسة وتوجه نحو التعليم المهني واختار منها بالتحديد الألمونيوم، وكان في المرحلة الأخيرة يرسم مخططاته لعمل مشروع خاص به، ويضع قدمه على بداية حياة عملية مستقلة، لكن الاحتلال الإسرائيلي طمس بجرائمه حياته وأحلامه.

باستشهاد محمد خيم الحزن على أهالي منطقته، فقد كان محبوبًا بينهم، تشهد له أخلاقه وأدبه، محترمًا بينهم، ومطيعًا، ومساعدًا للجميع، ويستذكر أنه في الآونة الماضية رغم حاجته للعمل إلى أنه كان يقدم المساعدة لأهالي الحارة دون مقابل.

ويقول: "رغم أنه آخر العنقود إلا أن لديه شعورًا بالمسؤولية، وحنون على الأطفال الصغار، يحب أن يرى ابتسامتهم التي يشتريها بشراء الحلويات والسكاكر لهم ليتعلقوا به أكثر".

أما والدته هذت من وجعها: "محمد راح بلمح البصر، رحيله يحرق قلبي، تلك اللحظات لن أنساها طيلة حياتي، ومع ذلك أحاول أن أصبر قلبي المكلوم والموجوع بأن أرضى بقضاء الله وقدره، فمن سيشتري لي الدواء من الصيدلية، ومن سيتبع مواعيد تناول أدوية السكر والضغط".

وتستذكر أن محمدًا في الليل عندما كان يعد طعام العشاء يوقظها لتتناول معه، وفي يوم استشهاده ذهب إلى السوق خصوصًا ليشتري لوالدته الفلفل الأحمر المطحون ليلبي رغبتها بتناوله.

أغرته الشهادة وجمال الشهداء بعدما رأى صورة شهيد مقدسي مبتسم، فأصبح يردد على مسامع والدته: "نفسي أستشهد"، وكان يسألها عن الشهيد وأحواله، وهل يشعر بوجع أم كيف حاله؟ ويقطع شقيقه نبيل عليه تساؤلاته ويقول له: "سيبك من هادا الكلام دور على شغل في مجالك واشتغل عشان نزوجك".

ما زالت تشعر نفسها في حلم، ولم تصدق غياب محمد آخر العنقود الذي أوجد لنفسه جوًّا في البيت والمنطقة ثم رحل بصمت.

اخبار ذات صلة