فلسطين أون لاين

أطفالهم وجيرانهم رحلوا قبل أن يشهدوا فرحة العيد

تقرير عائلة المصري تروي كيف حوَّل الاحتلال الأيام الأخيرة من رمضان إلى مأتم جماعي

...
غزة/ جمال غيث:

لم يكن أطفال عائلة المصري التي تقطن في مدينة بيت حانون شمال شرق قطاع غزة، يدركون أنهم على موعد مع مجزرة إسرائيلية سترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في أثناء لعبهم منتظرين أذان مغرب الـ28 رمضان.

كان أطفال العائلة برفقة جيرانهم يلهون بالقرب من آبائهم الذين جلسوا يتسامرون، وما هي إلا دقائق معدودة حتى أمطرت المقاتلات الحربية الإسرائيلية المكان بعدد من الصواريخ وقذائف المدفعية لتحيل المكان لسيل من الدماء وتتناثر أشلاء الضحايا.

بدأت المجزرة حوالي الساعة السادسة من عصر الاثنين 10 أيار/ مايو الجاري، عندما شنت طائرات ومدفعية الاحتلال سلسلة هجمات على المنطقة ليرتقي سبعة أشخاص على الفور بينهم 6 أطفال، إلى جانب عدد من الجرحى.

جمع الأشلاء

أمام منزله المدمر يجلس يوسف المصري، واضعًا كفيه على رأسه مستذكرًا المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق أطفاله، قائلًا: "كان أولادي وأولاد شقيقي وأولاد الجيران يلعبون، وكنا نجلس على مقربة منهم نتبادل الحديث بانتظار إعلان أذان المغرب، وكانت النساء تنشغل في إعداد سفرة رمضان".

"ما هي إلا لحظات حتى بدأت الصواريخ تتساقط علينا وبدأ الصراخ والضجيج يعم المكان حتى هرع جميع من في الحي لمساعدتنا في نقل الأطفال الشهداء وجمع الأشلاء"، وفق ما أضافه المصري لصحيفة "فلسطين".

يتوقف المصري عن الحديث لبعض الوقت، قبل أن يكمل: "كانت مجزرة بكل معنى الكلمة، فالأطفال كانوا في دائرة الاستهداف، لم يرتكبوا أي ذنب يذكر، فبعد القصف وصراخ الأهالي خرج الجميع من منازلهم وبدؤوا يتفقدون الجثث ويجمعون أشلاء أطفالهم وصرخات النساء تملأ المكان".

هرع يوسف (37 عامًا) لتفقد أبنائه وبمجرد أن عثر عليهم وجد نجليه إبراهيم (11 عامًا)، ومروان (7 أعوام)، قد فارقا الحياة والدماء تنساب من مختلف أنحاء جسديهما، وتناثرت أشلاؤهما في المكان، وبعض الموجودين في المكان سقط إما شهيدًا وإما جريحًا.

وبحزن يقول المصري: استشهد ابناي الاثنان، اللذان انتظرتهما أعوامًا، فهما أتيا بعد خمس بنات، ويتمتم الأب قائلًا: "حسبنا الله ونعم الوكيل، فقد كانا ينتظران يوم العيد لارتداء ملابسهما الجديدة، قبل أن يحول الاحتلال فرحتنا إلى حزن".

ويشير إلى أن ابنيه تمكنا من شراء ملابس وألعاب العيد قبل يومين من استشهادهما، مضيفًا: "بقيت ملابسهما حسرة في قلبي وقلب زوجتي وشقيقاته الخمسة".

يتوقف الأب المكلوم عن الكلام، قبل أن يختم حديثه لصحيفة "فلسطين" قائلًا: "استشهد أولادي أمامي وتقطعت أجسادهم، دون أي ذنب ارتكبوه سوى أنهم يلعبون مع أولاد أخي وبعض أبناء الجيران".

شظايا الاستهداف

ولا يختلف الحال كثيرًا مع محمد عطا الله المصري، شقيق "يوسف" الذي يعاني إصابة في جانبه الأيمن من جراء شظايا القصف الذي استهدف أولاده خلال ممارستهم اللعب.

وبحزن شديد يفيد محمد بأنه فقد ثلاثة من أبنائه خلال القصف الإسرائيلي وهم: أحمد (21عامًا)، ورهف (10 أعوام)، ويزن ابن نجله سلطان الذي أصيب بشظايا اخترقت جسده وتسببت في فقدان جزء كبير من الكبد والطحال وتقطعت أمعاءه، وهو بانتظار نقله للعلاج في الخارج.

ويتأوه المصري من شدة الألم الذي تعرض له فهو يعاني آلامًا جسدية ونفسية بعد أن فقد ابنيه وابن نجله وأصيب كل من أولاده سلطان (23 عامًا)، وغسان (24 عامًا)، بشظايا بأرجلهما وصدورهما ويقبعان على أسرة مستشفى الشفاء الطبي، في حين فقد نجله محمد (22 عامًا) عينه اليسرى ويعاني شظايا في جسده، وأصيب قاسم (8 أعوام) بشظايا في رأسه ويعاني تشنجات، إلى جانب إصابة إبراهيم (16 عامًا)، وبتول (15 عامًا) بجروح طفيفة.

ويحاول الوالد أن يستجمع نفسه ليكمل لصحيفة "فلسطين" ما تعرض له خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والاستهداف المباشر الذي تعرض له أبناؤه وأبناء شقيقه وجيرانه، ليقول والدموع تبلل وجهه: "ارتكب الاحتلال بحقنا مجزرة، فالشظايا والدماء ملء المكان، واختفت أجواء الفرح وحل محلها الحزن".

رحلوا باكرًا

وبالقرب من "محمد" تجلس زوجته كريمة، والحزن واضح على تقاسيم وجهها، لتقول: "كنا نتجهز ليوم العيد وللاحتفال بفرح ابني "أحمد" الذي كان مقررًا رابع أيام عيد الفطر، لكن صواريخ الاحتلال حولت فرحتنا إلى حزن.

وتلفت إلى أن أولادها جهزوا قبل أيام من استشهادهم منزلهم وعلقوا على جدرانه الزينة ودعوا أفراد العائلة للمشاركة في الفرح، لكن رحلوا باكرًا وتحولت فرحتنا إلى حزن.

وتقول المصري (44 عامًا): "لم تكتفِ قوات الاحتلال باستهداف أولادي وقتلهم بل استهدف منزلنا المكون من ثلاث طبقات ودمرته، ولم يبقَ منه إلا بعض الحجارة والأثاث المدمر ليشهد على بطش وإجرام الاحتلال بحق أبنائي وجيراني".

وتلفت إلى أن سبعة شهداء ارتقوا في قصف الاحتلال برفقة أولادها، وأولاد سلفها، وأطفال الجيران، وهم: الطفلان إبراهيم عبد الله حسنين (10 أعوام)، وحسين منير حمد (11 عامًا) الذين استشهدوا خلال لعبهم مع أطفالها.

ولم تكُن مجزرة عائلة المصري الأولى التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، فتلاها مجزرة عائلة أبو حطب والحديدي والكولك واليازجي، وقصف المنازل السكنية على رؤوس قاطنيها، واستهداف الأبراج والبنية التحتية والمقرات الإعلامية.

وخلف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي استمر 11 يومًا، استشهاد 253 فلسطينيًّا، بينهم 66 طفلًا و39 سيدة و17 مسنًّا، وإصابة أكثر من 1948 بجروح مختلفة، بحسب إحصائية صادرة عن وزارة الصحة بغزة.