قائمة الموقع

النقيب "أبو الريش".. لحظات رعب عاشها في إنقاذ المواطنين خلال العدوان

2021-05-24T11:16:00+03:00

"استهداف عمارة سكنية في شارع الوحدة وسط مدينة غزة".. كانت هذه الكلمات عنوان خبر أُذيع عبر وسائل الإعلام، في اليوم السادس للعدوان الإسرائيلي على القطاع، برهة من الوقت حتى جاء الاتصال لقائد مركز الدفاع المدني في حي تل الهوا غرب مدينة غزة النقيب إبراهيم أبو الريش (33 عامًا)، بضرورة التحرك لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من تحت الركام.

الساعة الثالثة فجر يوم الأحد 16 مايو/ أيار الجاري، الضابط "أبو الريش" كان يقود فريقا من ضباط الدفاع المدني في مهمة إنقاذ أخرى في منطقة تل الهوا، بعدما قصفت مقاتلات الاحتلال الحربية ثلاث شقق سكنية في برج مشتهى، فاشتعلت النيران في إثر ذلك، لتتعدد المهام في آن واحد على الفريق.

كانت طواقم الدفاع المدني التي تحمل خراطيم المياه الضخمة تلاحق النيران التي تمتد في مساحات أكبر داخل الشقق السكنية، وفي خضم تلك المعركة، إذ بـ"أنبوبة غاز" تنفجر دون سابق إنذار، خلّفت حالة من الذعر والخطر بين الضباط، وزادت من مساحة الحريق في تلك الشقق.

ما إن انتهى من تلك المهمة وعادت الطواقم إلى موقع عملها، حتى جاء الاتصال بضرورة التوجه لشارع الوحدة في حي الرمال للمساعدة في إنقاذ المواطنين الذين غمرهم الركام، بفعل قصف طائرات الاحتلال عمارة سكنية مكونة من عدة طوابق تضم عددا من العائلات.

لحظات رُعب

حالة من الذعر والخوف سادت المكان، أصوات وصرخات المواطنين تتعالى "في ناس تحت الأنقاض، بس ما بنعرف مين استشهد ومين على قيد الحياة"، هكذا يروي أبو الريش أولى لحظات وصوله المكان.

كسرعة البرق، بدأ "أبو الريش" يغوص بين أكوام الركام بما يمتلكه وزملاؤه من معدات بدائية كـ(الشاكوش والمقدح)، كمن ينقب عن شيء ثمين، يحاول إعادة الأمل لأشخاص يعيشون لحظات موت ورعب، ويتعلقون بقشة أمل تبعث فيهم الحياة من جديد.

كان أبو الريش ينادي "فيه حدا؟ في حدا بسمعني؟"، صمت قليلًا، إذ تسلل عبر مسامعه صرخات طفل صغير اختفت ملامح جسده تحت أكوام الحجارة والركام، فتجّلى موقف البطولة والإصرار والمخاطرة في سبيل بقاء الطفل على قيد الحياة.

"ثلاث ساعات وأنا أحاول إخراج الطفل عبد العزيز القولق (10 أعوام) من تحت الركام الذي غطّى كل تفاصيل وجهه"، يقلّب أبو الريش دفتر ذكريات واحدة من القصص المؤلمة التي ظلّت عالقة في ذهنه خلال العدوان الأخير على غزة.

استطاع "أبو الريش" إزالة الركام عن الأجزاء العلوية من جسده، وإمداده بالتنفس الاصطناعي، وصولا لإزالته بشكل كامل، لكن ما أوجع قلبه هو وجود عبد العزيز بين أحضان والديه اللذين صعدت روحاهما إلى السماء، برفقة جميع أشقائه.

يستذكر لحظات أخرى، حينما خرج الطفل "القولق" من تحت الأنقاض وأمسك يدي الضابط وكأنه يُمسك بقشة الأمل التي أعادت له الحياة بعد نجاته من موت محقق.

عند الساعة السابعة صباحا، نقلت سيارات الإسعاف الطفل "القولق" إلى المستشفى، لكن قلبه ظل مُعلقا بالضابط "أبو الريش"، إذ طلب من أقاربه رؤية منقذه في المستشفى، وكأنه يريد "رد الجميل" له على إنقاذ حياته.

السؤال الأقسى

"وين أبوي وأمي وإخواتي؟".. كان هذا السؤال الأقسى الذي وقع على قلب الضابط "أبو الريش" من الطفل "القولق"، ما جعله مرتكبا في كيفية الرد عليه، فجميع أفراد العائلة باتوا في عداد الشهداء، حتى استدرك الأمر ثم بعث له رسالة طمأنة "أهلك بخير وإن شاء الله بتشوفهم في أقرب فرصة".

شريط الذكريات في ذهن "أبو الريش" بات كبيرا، نتيجة كثرة الأحداث الدامية التي خلّفها إجرام الاحتلال الذي صبّ جام غضبه على المواطنين الآمنين في بيوتهم.

يستحضر من ذاكرته مشاهد لعائلة "أبو العوف" التي قصف الاحتلال عمارتهم في شارع الوحدة أيضا، حينما أراد إنقاذ امرأة واثنتين من بناتها غطّى الركام تفاصيل ملامحهم، في مجزرة "بشعة" كما يصفها.

- "معك أبو خليل من الدفاع المدني"

- "أنقذ بنتي قبلي.. أرجوك!!"

حوار قصير دار بينه وبين الأم التي آثرت إلا أن يُخرج بناتها قبلها، رغم الخطر الذي يخيم عليهن جميعا، فبعد محاولات استمرت أكثر من ساعة، وعبر إضاءة ضئيلة من "كشاف صغير" من تكسير الأحجار المتراكمة على أجسادهن، تمكّن من إخراجهن جميعا، لكن كانت إحدى بناتها شهيدة.

بكاء وسرور

على مدار 11 يومًا من العدوان الإسرائيلي الذي توقف فجر الجمعة الماضية، لم يرَ "أبو الريش" عائلته، بل كان يكتفي للاطمئنان على أوضاعهم بمكالمات خاطفة عبر الهاتف، فقد تركهم في سبيل تنفيذ مهامه الإنسانية في إنقاذ أرواح المواطنين الذين تعرضوا للقصف.

خلال تلك المكالمات كان يحاول "أبو الريش" تخفيف الأعباء النفسية والخوف عن زوجته وأطفاله الخمسة، بسبب القصف المتواصل على جميع مناطق القطاع، قائلا: "كنت أرفع معنوياتهم كثيرا، حتى لا يشعرون بالخوف والقلق عليّ".

وما أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار والعدوان حيز التنفيذ، حتى عاد إلى منزله لرؤية عائلته، هنا خيّمت لحظاء السرور التي يغمرها البكاء، من شدة فرح زوجته وأطفاله بعودتهم سالما.

النقيب إبراهيم أبو الريش


 








 

اخبار ذات صلة