فلسطين أون لاين

​هالة ترامب التي أغْشَت نظراءه

يبدو مستغرباً جداً ذلك الاستغراب والاستنكار الذي أبداه كثيرون حيال صمت زعماء الأنظمة العربية بما فيهم محمود عباس أمام وصف الرئيس الأمريكي ترامب حماس بالحركة الإرهابية، لأن ما هو خارج سياق التوقعات كلها أن يتجرأ أحد للرد عليه ولو بتعبير لطيف فيما هو يُعلن بكل صلافة عن تعريفه وتصنيفاته للإرهاب من قلب بلاد الحرمين، التي يعرّف نظامها بلاده بأنها حاضرة العالم الإسلامي.

هذا التصنيف (الترمبي) لحماس ليس وليد لحظة انفعالية، إنما يمثّل حقيقة الموقف الأمريكي منها، بل وموقف غالبية زعماء الأنظمة العربية، وهو عين موقف السلطة الفلسطينية أيضا، لأن الأخيرة تتعامل مع حماس من هذا المنطلق، وما يحدث في الضفة الغربية (حيث تحكم السلطة) خير دليل على ذلك. إنما الجديد من الآن وصاعداً أن أي إجراء استئصالي ستنفّذه السلطة ضد حماس ونشطائها سيكون بمثابة عربون وفاء وتقدير للرئيس ترامب، وسيضاف إلى الفاتورة المقدّمة للإدارة الأمريكية، أما ما يُقدّم للحكومة الصهيونية فهو معروف ومعترف به ومفروغ منه.

فيما يخصّ الحكومات العربية، وتحديداً تلك التي ترفع لواء الانتصار للسنة داخل الأمة، فلم تكن القمة الأمريكية الإسلامية وما دار فيها وصدر عنها من إذعان مطلق للإرادة الأمريكية إلا تأكيداً على كذب ادعاءاتها، ذلك أن اللواء الوحيد الذي ترفعه هو لواء عروشها وتيجانها، أي كل ما يدعم فرص استمرارها في الملك والحكم، وإلا فكيف لعاقل أن يقتنع بأن حركة المقاومة السنية الأهم في المنطقة تُواجه بمثل هذا العدوان؟ العدوان في التآمر عليها وفي المشاركة بحصارها، والعدوان بالصمت عن أي إجراء استئصالي جديد قد يُتّخذ بحقها.

حتى بلغة المصالح، لا يمكن فهم هذا الإذعان بكونه يتساوق مع المصلحة العامة لشعوب تلك الأنظمة، لأن أهم مقتضيات تلك المصلحة المحافظة على مقدراتها وأموالها، والإبقاء على مهابتها واحترامها، والانتصار لإرادتها التي تناوئ حتماً الإرادة الأمريكية وتصوراتها للمنطقة.

في زيارة عباس لواشنطن قبل نحو شهر كان واضحاً أنها لم تكن زيارة نديّة ولا حتى زيارة تعارف وعلاقات عامة، بل كانت مجرّد استدعاء وجهته الإدارة الأمريكية لعباس لتملي عليه مطالب محددة، عبّر عنها الناطق باسم البيت الأبيض وقتها وحددها "بوقف صرف رواتب الأسرى، ووقف التحريض ضد إسرائيل، وتكثيف العمل ضد الإرهاب"، ولم تكن هناك أي إشارة لمظلومية الفلسطينيين، ولا لحقوقهم، ولم يكن هناك تعبير (ولو دبلوماسي كاذب) يتحدث عن اكتراث الإدارة الأمريكية بأن يحصلوا على دويلة إلى جانب دولة الاحتلال. لم يصدر حينها تعليق من قيادة السلطة على موقفها من هذه المطالب المتطرفة، لكننا رأينا مؤشرات التطبيق على أرض الواقع!

الحال أن تلك الهالة الإعلامية المضخمة التي صُنعت بعناية لترامب، وبالغت في تصوير صلفه وبطشه وجنونه، بتنا نرى تأثيرها المباشر والفوري على رؤوس الأنظمة العربية بما فيها السلطة، ليس فقط من خلال شراء رضاه واتقاء غضبه، إنما أيضاً عبر مسايرته في كل ما يطلب وما يقرر، وفي إبداء المزيد من مبادرات الإذعان ، والتسابق على حمل سيفه والضرب به على هامة من يزعجونه داخل هذه البلدان.

كلما ظننا أن مشهد الصلف الأمريكي في مقابل الخنوع العربي والرسمي الفلسطيني قد بلغ منتهاه، وجدنا أنه يحتمل المزيد من الإضافات المسرحية المريرة، وسيبقى كذلك ما دام المتنفذون وأصحاب القرار هم أراذل الأمة وأذلّاؤها، هذه الأمة المستباحة في كل ذرة تراب منها، ولا عزاء لأكذوبة (القرار الوطني المستقل).