قائمة الموقع

​أيادِينا الصغيرة تُهدي إليكِ الدعاء

2017-05-28T07:49:39+03:00

أول يوم من رمضان هذا العام لم تكن الفوانيس مُبهِجة، هل تعرفون معنى أن تكون طفلة مثلي لديها من شعور الوحدة والصبر بحجم سبع سمواتٍ وما أظللن.

آه يا أمي، لو أنك تحضرين دقيقة واحدة كي أخبرك كيف كان أمس، فيه أول سحورٍ لنا دون صوتك يعلن "حالة الطوارئ" في أثناء إيقاظنا؛ وأول مائدة إفطار لنا دون بركة حضورك؛ وأول صلاة تراويح وأنت لا تقولين لنا: "استووا واعتدلوا"؛ وأول نهار لا نسمع فيه ترتيلك الندي تختمين "الجزء الأول"؛ وأول تمرة وأول شُربة ماء تبحثان عنكِ؛ وأول غياب لأطايب الطعام "يدوخنا" من تحت يديك، حتى المطبخ افتقد نَفَسَ "زهرة النسرين"، ولهذا اسمكِ نسرين؛ وأول أمسيةٍ يكون فيه طعم القطائف مُرًّا، وكأن فراقك حدث للتو، حين رُفع أذان المغرب رفعنا أيادينا الصغيرة أنا وريمة ودانا وعبود (عبد الرحمن) وأيضًا بابا، لقد دَعونا لكِ دعاء شعرنا أنه اخترق السماء، خاشعٌ ومتصدعٌ قلبي وأنا أتضرع لمن آنسُ به: "يا رب، أوليس دعاء الصائم لا يُرد؟؛ إذًا لا ترد دعائي".

كل مكان أنتِ فيه _يا أمي_ جميل؛ فما بالنا بـ"الجنة" وأنتِ فيها؟!، لو أنك تظهرين بضع ثوانٍ وتخبرينا عنها، هل رأيتِ مقعدك فيها؟، وكيف جمال السلام الأبدي فيها حيث لا حزن ولا هم ولا أشرار؟!

سحقًا للأشرار الذي انتزعوا من الأطفال أمهاتهم، لكن اطمئني لا أحد منهم يستطيع أن يمنعني من التحدث إليك، سأهمس لك بسر، لقد أصبح لي ولك عالمٌ أجمل حتى من الذي في أفلام (الكارتون)، إنه فرصتي الوحيدة كي لا أشعر بأني يتيمة من بعدك.

أحاول تجاوز الصدمة ولا أنجح، خمس عشرة دقائق رأيتك تسبحِين في بِركةٍ من الدماء، لقد تجمدت ابنتكِ ديمة أمام هذا المشهد, حين عُدت إلى البيت بعد انتهاء دوام المدرسة، ناديتك: "ماما ماما قـــــومــــي"، لم تردي؛ عاودت تكرار النداء، حاولت أن أخدع نفسي بأنها ربما خدعة منك، ثم صرختُ بأعلى صوت، تقدمتُ نحوك, حاولت انتشالك من بِركة الدم، مذهولٌ واجم وجهي لا أعرف كيف تُطلب النجدة, وشلال دمك القاني مستمر في التدفق.

لم أكن أملك إلا كلمة إسعاف واحدة: "ماما ردي"، لكنكِ لم تعطني الإجابة المعهودة ككل مرة بكل حُب: "اؤمري يا ست ديمة".

كيف طاوعكَ قلبك _أيها القاتل_ أن تأخذ مني "أمي"؟!، أن تطعن امرأة بسكينك، ثم تلقي أنبوبة الغاز فوق رأسها لتتحقق من موتها قبل أن تغادر البيت بسرقاتٍ لا قيمة لها؟!، أمٌّ تمتلئ عيناها بالأمان، أمٌّ في أيسر صدرها قلب أبيض من الفل والياسمين، كيف تجرَّأت يا هذا أن تفعلها؟!، هل تذوقت من قبل طعم رمضان بلا أم؟!

حسنًا، لا تحزني، لن أفتح الموضوع مجددًا، كي لا تتألمي ونتألم نحن أيضًا، أعرف أنكِ تتلهفين لسماع أخبارنا، أشواقنا إليكِ بحجم شوق المؤمن إلى ليلة القدر، نحاول أن نكون بخير، أو بالأصح نجتهد في أن نعتاد أنكِ لستِ هنا من بعد ذلك اليوم.

يأتي رمضان ويأتي معه اشتهاء الطعام المفضل، أدفع نصف عمري وأتذوق "المحاشي" من تحت يديك، وكما اتفقنا: ريمة ستصوم رمضان كاملًا، إن شاء الله, أما دانا فستُطيل ساعات صِيامها حتى صلاة العصر.

واثقة أنك تقلقين على دانا "آخر العنقود" ابنة الأعوام السبعة، لابد أنك اشتقتِ إلى ضحكتها الرنانة ودلعها الزائد, ولتكن هذه وشايتي بها: في أحد صباحات الأيام الأولى بعد فراقك كان بابا منشغلًا عنها بقراءة الأخبار, فإذا هو يسمع صوت دق على الحائط، والمفاجأة أنها أخذت ورقة بيضاء، محاولة أن تُناديك بطريقتها فكتبت عليها: "الجنة تحت أقدام الأمهات، ماما نسرين الله يرحمك"، وعلقتها كــ"برواز" على باب غرفتنا.

أما أخونا الحبيب عبود الذي يُصّر على السهِر ليلة العيد كي لا تفوته تكبيرات العيد والصلاة في المسجد فيتعهد إليك أن هذا العيد سيكون مختلفًا, لن يسهر طويلًا, هكذا قال, لكن لا تُصدقيه، يا أمي, فهو سيسهر ليلتها وهو يفكر كيف سيكون احتضاننا للتراب الذي يضمك، سيعد الدقائق ليهرع إلى قبرك, سنكون إلى جانبك وسنحتفل معًا، ولو غالبتنا الدموع، سنحتفل لأنك تُحبين لنا الفرح دومًا.

أما ريمة "الحِندقة" فأنتِ تعرفين كم تُنافسني هذه المشاغِبة في حبك، كانت تغلبني في اللعب وفي شجاراتنا البريئة, أما الآن فلا أحد يغلب أحد في الشوق إليك، كلنا نتنافس وكلنا يفوز بقدر حاجته إليك.

رمضان كريم والله أكرم، لذا يا رب حقق لي هذه الأمنية، ولتُقرأ أمي هذه الكلمات بطريقةٍ ما.

ماذا بوسعنا أن نفعل؟، لقد فهمنا معنى الموت مبكرًا، فهمت أسوأ ما فيه، ألا أراكِ بعد الوداع الأخير, لكن "كلنا حنموت يا ماما، ما حدا راح يتخلد, وح نجتمع من جديد فيكِ بالجنة، إن شاء الله".

اخبار ذات صلة