هو شاب فلسطيني يبلغ من العمر 27 ربيعًا، كان يعيش في ماليزيا قبل أن يتزوج بفتاة روسيا وينتقل معها إلى العيش في تركيا خلال العامين الأخيرين، لحياته في ماليزيا ذكريات خصبة، كلما سألته عن رمضان قال: "عشته في ماليزيا".
همام شهوان هو شاب فلسطيني من غزة، يملك بالشراكة مع شاب ماليزي استراحة (كافيتريا) لإعداد المأكولات العربية، وخاصة الفلسطينية، وفي أوقات فراغه يعمل مترجمًا من العربية إلى الماليزية.
أما عن سكنه فقد عاش همام مع قريبين له وصديقين من كوالالمبور في شقة واحدة، تجمعهم الألفة وحب الخير والرغبة في العمل والعيش الكريم.
رمضان مميز
"رمضان في ماليزيا مميز جدًّا" بهذه الكلمات بدأ شهوان حديثه معنا، واصفًا شهر رمضان، إذ يتجمع الأصدقاء الخمسة في المنزل عصرًا لإعداد طعام الإفطار ومشروباته، إلى أن يحين موعد أذان المغرب، فيذهب الصَحب إلى المسجد القريب من شقتهم لأداء الصلاة، ثم يعودون إلى المنزل لتناول وجبتهم التي أعدوها "بحب" واضعًا كل منهم "نَفَس" والدته في الطهي.
"صوم مقبول وذنب مغفور، إن شاء الله" دعاء يتبادله الأصحاب، ولما يفرغون من تناول طعامهم يقصدون الجامع ثانية لأداء صلاة التراويح هناك، وفق هدي سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام).
في ماليزيا ترى المساجد عامرة بالمصلين، فدين الإسلام هو أكثر الأديان انتشارًا، فيمثل المسلمون الماليزيون ما نسبته 61.4 % من مجموع سكان البلاد، أي نحو 17 مليون نسمة، وذلك حسب تعداد السكان لسنة 2010م.
شهوان يصلي وأصحابه التراويح في المسجد ويقرؤون القرآن ويتعبدون حتى موعد تناول طعام السحور، ومن بعده يؤدون صلاة الفجر، ثم ينطلقون إلى منازلهم فيأخذون قسطًا من الراحة قبل أن ينصرفوا إلى أعمالهم.
أما عن يوم الجمعة الرمضاني في ماليزيا فحدث ولا حرج، إذ يؤكد شهوان أنه في كل يوم جمعة من أيام شهر رمضان هناك إفطار جماعي مع الأصدقاء الفلسطينيين والماليزيين جميعًا، يتجمعون في مكان معد مسبقًا لهذا الغرض، ويحضر كل شاب الأكلة المفضلة لديه التي يكون قد أعدها بنفسه، فضلًا عن تلك الأصناف التي تقدمها العوائل الماليزية المسلمة لهم، لتصرف عنهم شعورهم بالوحدة والغربة عن الوطن.
أما صديقه الصدوق "كريم" فهو شاب مسلم من أصول ألمانية، رافق شهوان في محطات غربته جميعًا وكان له خير شقيق، حتى إنه كان السبب في زواجه واستقراره في تركيا، بعد أن عجز عن دعوته لألمانيا بسبب جنسيته الفلسطينية، هذا الكريم كان من عشاق طبخة "المقلوبة"، التي سافر من ألمانيا إلى تركيا كي يتقن فنها على يدي همام، الذي أحضر له توابلها وأخذها معه إلى وطنه ألمانيا.
طقوس رمضانية
أما أبرز الطقوس الرمضانية في ماليزيا فتمثلت في اجتماع المسلمين والجالية العربية في حرم الجامعة الإسلامية هناك، لصلاة المغرب جماعة ثم تناول طعام الإفطار معًا، على مائدة متنوعة تروي للناظر من أي بلد جاء معدوها، أما شهوان الذي يحضر هذه الاجتماعات حبًّا وطواعية أملًا في الأُنس فكان يطلب منه "الرِفقة" أن يعد لهم طبق "المقلوبة" الفلسطيني الشهير.
أما الأطفال فكانوا يتحلقون حول أهليهم الذين يصطحبونهم إلى المسجد في سن مبكرة، حتى يعتادوا الصلاة والصيام، ويألفوا الجو الروحاني في رمضان، ويحبوه في الصِغَر، ويشبوا عليه.
أفتقد أهلي
ومع هذه الأجواء الأسرية المحببة يفتقد شهوان أهله جميعًا على مائد إفطار رمضان، ويتمنى لو أنه كان بينهم في غزة، وقال: "يكون حولي الكثير من الأصدقاء والأقارب، لكن لطعم الإفطار في غزة نكهة خاصة، وإني لم أنقطع عن عائلتي وأصدقائي في غزة، وأتحدث إليهم يوميًّا عبر برنامج المحادثات الصوتية (سكايب)".
أما أبرز الأكلات الفلسطينية التي يطلبها الماليزيون من الشاب شهوان فكانت إضافة إلى المقلوبة المسخن والفتة الفلسطينية، التي يقدمها "بنفس طيبة" تحكي لمتذوقها عن أصالة فلسطين وعراقة أهلها.
ووصف شهوان شهر رمضان بأنه شهر يتمتع فيه المسلمون بأوجه العبادات المختلفة، ويتسابق الأصدقاء في عدد مرات ختم قراءة القرآن الكريم، متمنين على الله أن يتقبل منهم طاعتهم أجمعين.
وفي معرض رده على سؤال "فلسطين": بماذا يذكرك الشهر الفضيل؟ قال: "يذكرني بالمحبة بين الناس والتسامح، ويذكرني أيضًا بتلك الأيام الخوالي إذ كنت أذهب مع أصدقائي في غزة إلى التسوق قبل الإفطار، وبعده نلتقي للذهاب إلى صلاة التراويح، فعلًا أشتاق إليهم جميعًا".
شعور همام بالوحشة تبدد بعد زواجه بفتاة روسية أوقفته في الشارع ذات مرة تطلب المساعدة فلبى طلبها، ليشير عليه "كريم": "ما رأيك بالزواج بها؟"، أهو عرض أم طلب أم مزحة؟، أيًّا كان فقد تحول إلى حقيقة، لتصبح هذه الفتاة زوجة همام، وبعد بضعة أشهر تعتنق الإسلام (قبيل شهر رمضان الماضي) وتصوم الشهر الفضيل كله وتلتزم بالصلاة والتراويح ومناجاة الله في خلوة، كما أخبرنا همام.
ما بقي نبض
مع البعد والألم لا يزال شهوان محافظًا على تراث بلده ونكهته الخاصة، فكان شهوان أحد سفرائنا المغمورين الذين قدموا لهذا الوطن كل الحب، وجعل من يعايشونه ويعاشرون خصاله الفلسطينية يشعرون بالمحبة تجاه فلسطين، مع كل ما تمر به من ألم، ليبرهن للعالم أننا إن لم نكن في قلب الوطن فهو فينا ما بقي في عروقنا نبض.