فلسطين أون لاين

مصلى باب الرحمة.. حيث يجتمع الفلسطينيون للعبادة وصد التهويد

...
القدس المحتلة-غزة/ هدى الدلو:

يجهز نفسه منذ ساعات النهار الأولى ويذهب إلى عيادته الخاصة لتسيير شئون المرضى، منتظرًا موعد قدوم الحافلة ليشد رحاله لمصلى باب الرحمة، ويمضي نهاره الرمضاني في ذلك المكان للرباط وإعمار المسجد الأقصى، والمصلى خاصة، والصلاة فيه تزامنًا مع تصاعد أطماع الاحتلال في المكان.

يقطع د. عبد اللطيف أبو سفاقة دوريًّا مسافة من 80 إلى 90 كيلومترًا من مدينة قلقيلية إلى المسجد الأقصى، بإصرار منقطع النظير منه، ومن المسجلين لديه في الرحلات التي يسيرها لشد الرحال.

يقول لصحيفة "فلسطين": "هناك مشاركات من فئات مختلفة للشعب الفلسطيني للرباط في مصلى الرحمة، إذ يوجد فيه كوكبة من الأطباء والدعاة والمهندسين والشبان الذين نذروا أنفسهم لله وللحفاظ على مصلى الرحمة من اعتداءات الصهاينة، لكونه مستهدفًا من المستوطنين الذين يسعون لتحويله إلى كنيس خاص بهم".

يعمل أبو سفاقة طبيب عيون، ولكنه يرى أن مهمته وواجبه الأساسي العمل للأقصى، يضيف: "هو واجب كل فلسطيني، وأشعر بالفخر والاعتزاز بعملي في تسيير رحلات للأقصى، فهو أجدر من عملي في الطب لكونه تجارة مع الله، والرباط فيه جزء من العبادة والطاعة في شهر رمضان المبارك".

ويوضح أن مصلى باب الرحمة مستهدف من الاحتلال الإسرائيلي على مر الأزمنة ويحاول السيطرة عليه وتهويده، ولكن بجهود المقدسيين والرباط فيه لن يفرطوا بمتر واحد منه.

أبو سفاقة الذي تجاوز من عمره 63 عامًا يتحمل مشقة الصعود على الدرج لأجل الوجود في مصلى باب الرحمة والدفاع عنه، لكونه جزءًا لا يتجزأ من المسجد الأقصى، بهدف الحفاظ على أمنه وأمانه، فهو ذو مكانة إسلامية داخل الأقصى.

ويواجه ومن معه بالحافلة تضييقات جنود الاحتلال والوقوف على حواجز عسكرية للتنغيص عليهم، وإنزالهم من الحافلة، والتشكيك في التصاريح، وفي نهاية المطاف يُمنعون أحيانًا من الدخول ويجبرون على العودة بعد سير مسافات طويلة دون مراعاة للوضع الصحي وأعمارهم.

ويدعو أبو سفاقة إلى تكثيف مثل هذه الرحلات إلى المسجد الأقصى ومصلى باب الرحمة؛ فهي مسئولية كل فلسطيني ومسلم يستطيع الوصول إليه والرباط فيه.

ويبين أن رحلات شد الرحال للمسجد الأقصى لها وزنها وقيمتها، لكونها تزيد من ارتباط الفلسطينيين بأرضهم ومسجدهم، وبذلك يتمكنون من نصرتهما، موجهًا رسالة لكل الشعب الفلسطيني صغيرًا وكبيرًا بالعمل للمسجد الأقصى تلك الأرض المباركة وسنامها الأقصى بالحفاظ عليه من تدنيسه لكونه هبة من الله للمسلمين.

تكبير ورباط

والشابة المقدسية العشرينية عفاف (اسم مستعار) منذ إعادة فتح مصلى باب الرحمة لم تترك يومًا دون الذهاب للرباط فيه، فتقضي معظم وقتها فيه، تكبر في حال اقتحم المستوطنون باحات المسجد الأقصى، وتقرأ القرآن وتتعبد في نهار رمضان.

وتقول الشابة لصحيفة "فلسطين" طالبةً عدم كشف هويتها: "تعلقت بهذا المصلى منذ أن فُتِحَ قبل عامين من الآن، وارتبطت به أكثر لأني أصبحت أحفظ فيه القرآن وأنجز واجباتي الجامعية، وأقضي وقتًا جميلًا برفقة مرابطات أخريات، فألتقيهن، وأشعر في جنباته بالطمأنينة والرحمة".

وفي 22 شباط (فبراير) 2019 احتفى المصلون بعد صلاة الجمعة بإعادة فتح هذا المصلى بقوة الإرادة الجماهيرية، وانتظموا في تظاهرات احتفالية حاشدة بالمنطقة، وأطلقوا التكبيرات والهتافات أمامه وداخله.

وتوضح عفاف أنه رغم ارتباطها الجامعي تؤثر الذهاب دائمًا للرباط في الأقصى، خاصة في شهر رمضان، قائلة: "يجب ألا تترك مقدساتنا وحيدة، وعلينا أن نعمرها بالوجود الفلسطيني لحمايتها من الاقتحامات، خاصة أن مخططات الاحتلال لمصلى باب الرحمة الاستحواذ عليه وتحويله إلى كنيس".

أما محمد فلا يفصله عن المسجد الأقصى سوى بضع دقائق ليحط قدميه في مصلى باب الرحمة ويقضي مهمته وواجبه بالرباط فيه، مستمرًّا على هذا الحال منذ عامين، يقول: "الرباط في مصلى باب الرحمة هو جزء من الرباط في المسجد الأقصى، وهو جزء من رباط أهل بيت المقدس وأكنافها الذي هو جزء من رباط أهل الشام الذين ذكرهم الرسول (عليه الصلاة والسلام)".

ويذكّر بأن الرباط فضل وكرم من الله (سبحانه وتعالى) اختصهم به، كما أنه طاعة للمولى (عز وجل).

ويبين أن باب الرحمة جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى الذي هو جزء من عقيدة أمة محمد (عليه الصلاة والسلام)، والتمسك به والحفاظ عليه هو السبب الذي لأجله أكرمهم الله بالوجود في هذا المكان المبارك المقدس.

وينصح المسلمين بالتمسك بما أعزهم الله به، وعدم التنازع والخلاف اللذين لا يخدمان إلا عدوهم الإسرائيلي، مذكرًا إياهم بقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله".