فلسطين أون لاين

رمضان باب للبر.. هل يستثمره الأبناء؟

...
غزة- مريم الشوبكي:

بعد أذان العصر تبدأ والدة حسن التحضير لأطباق مائدة الإفطار، بعد أن تكون قطعت شوطًا كبيرًا من المشاورات مع الأولاد والبنات، يطل عليها ابنها حسن الذي لديه ميول وحب لمساعدتها في أعمال الطبخ، لتوكل إليه بعض المهام للتخفيف عنها والإسراع في تجهيز الأكل.

في شهر رمضان كما سائر الأشهر يحاول حسن العجلة أن يبر والدته بمساعدتها في أعمال المنزل، ويتعاظم ذلك في هذا الشهر لأن تحضير وجبتي الإفطار والسحور يحتاج إلى مجهود كبير من والدته، لا سيما مع طول ساعات الصيام.

يقول العجلة (29 عامًا) من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة: "أحرص على الاستيقاظ معها لإعداد وجبة السحور معها، وتبادل الحديث معها والمزاح والتودد لها".

ويضيف لصحيفة "فلسطين": "أما والدي فنحرص أن نجتمع جميعنا على وجبة الإفطار، ونتبادل معه الحديث عن مشاكلنا اليومية، ونستشيره في إيجاد حلول لها، والأخذ برأيه ومشورته؛ فمهما بلغنا من العمر نبقى صغارًا في نظره، ورصيد تجاربنا وخبراتنا في الحياة لا يقارن بسنوات التجارب التي عاشها".

في حين يحاول محمد وافي جاهدًا أن يملأ الفراغ الذي تركه والده بعد وفاته، والوجود دائمًا مع والدته هو وإخوته مع أولادهما لتشعر بالأمان، وأن هناك من يحرص على راحتها وتلبية طلباتها التي كان يقوم بها زوجها، كأنه موجود بينهم بالفعل.

يقول وافي الذي يقطن في حي الدرج شرق غزة: "رمضان الماضي كان آخر عهدنا بالوالد، إذ كان يجمعنا لصلاة التراويح في المنزل ويصلي بنا، وكان يجمع أفراد الأسرة على الصلوات، خصوصًا الفجر والتراويح، وكان حريصًا على إلقاء الدروس الخفيفة بعد الصلوات، لا سيما لأحفاده ولنا دون شك".

ويضيف: "كانت زياراته إلى الأرحام لا تنقطع، خصوصًا في الشهر الفضيل، وكان معتادًا جمعنا في أول يوم للإفطار عنده في المنزل".

ويبين وافي أنه وإخوته سيحافظون على العادات التي كان يقوم بها والدهم للم شمل العائلة مع أخواتهم على سفرة إفطار واحدة، وسيتسمرون على نهجه ولن يغيروه، والتغيير الوحيد هو فقدانهم له.

نواة المجتمع

بدوره يقول الاختصاصي الاجتماعي زهير ملاخة: "الأسرة هي نواة المجتمع، وسعادة الأسر تكمن في الاستقرار الذي يجلب الأمان، أنعم الله (عز وجل) الله نعمة الدين وهو الذي أضاف وأكد وشرع العلاقة بين أفراد الأسرة، لا بد أن يعي الأبناء جيدًا أدوارهم الأساسية وشكل العلاقة الاجتماعية".

ويضيف ملاخة لصحيفة "فلسطين": "عليهم أن يقدموا الصورة الطيبة الحسنة التي تؤسس كل معاني السعادة لوالديهم، والمشورة الدائمة التي تحقق الراحة النفسية، والحضور الأسري؛ فاللمة تضفي المعنى الحقيقي للسعادة، وتحقق الود والحميمية في العلاقة".

ويدعو إلى المحافظة على القيمة الوالدية داخل الأسرة من حيث المشورة والحضور، لما فيها من أجر عظيم وبركة، وتأصيل لكل الجوانب المعنوية داخلها.

ويحث ملاخة على جعل كل هذه الجوانب تذكرة إلى ما بعد رمضان، والاستمرار في الاجتماع، وتحقيق البر للوالدين، وتخطيط لتحديد وقت ويوم للاجتماع عند الوالدين، وتبادل أطباق الطعام والحرص على وجودهم على سفرة واحدة.

ويوصي بتذكير الأحفاد بمواقف الخير والتضحيات للأجداد، وتعداد أوجه الصدقة، والاستمرار في العمل الحسن والصدقة الجارية والخير الذي كانوا يقومون به، وتفقد أصدقائهم وزيارتهم برًّا بهم بعد وفاتهم، والدعاء لهم.

ويؤكد ملاخة أن المعاملة الحسنة هي أساس العلاقة مع الوالدين وتفهم عقليتهما ومراعاة السن وظروفها، فيجب التغاضي عن أي شيء سيئ يصدر منهما، كالمثل القائل: "اللي ما له خير بأهله ما له خير بالناس"، و"اللي ما له كبير يشتري له كبير".

ويختم حديثه: "رمضان كفيل أن يفتح باب الخير في القلوب، وينبغي المبادرة من الأبناء والآباء بإصلاح ذات البين، لأن قطع الرحم هو تحدٍّ لله عز وجل، ما فائدة العبادات والعلاقة سيئة؟! لن يتقبل الله عباداتنا وأعمالنا، يجب أن نستثمر الشهر بالمبادرة وإدخال الوسطاء وأهل الخير لتذليل الصعاب في العلاقات الأسرية".