فلسطين أون لاين

تعرف إلى "تاريخ القطائف" و"آخر صيحاتها" في (2021)

...
تصوير رمضان الأغا
غزة-ريما عبد القادر:

مهما تنافس الطهاة في إنتاج حلويات جديدة لشهر رمضان المبارك فإن محاولاتهم تبقى خجولة على ضخامتها أمام حلوى مشهورة باسم القطائف التي لها طعمها ومكانتها العريقة الممتدة منذ سنوات طويلة، ومذاقها الذي لا ينافس جعلها ملكة تتربع ليس على الموائد العربية والإسلامية فحسب؛ بل باتت حلوى جديرة بالتجربة في دول الغرب.

واختلفت روايات ميلاد القطائف؛ فبعض أرجعها للعصر العباسيّ ومنهم من يرجعها للعصر الأمويّ، وذكرت بعض الروايات أن أول من تناول القطائف هو الخليفة الأمويّ سليمان بن عبد الملك سنة (98 هجريًّا) في رمضان.

وعرفها معجم لسان العرب لابن منظور في اللغة بأنها: طعام يسوى من الدقيق المرق بالماء، شبهت بخمل القطائف التي تفترش.

ويعود سبب شهرتها بهذا الاسم للعديد من الروايات، منها الرواية التي عادت إلى العصر الفاطمي إذ شهد شهر رمضان تنافسًا كبيرًا بين الطهاة في إعداد حلوى طيبة المذاق مبتكرة، وكانت ضمن هذه المنافسة حلوى القطائف إذ زينت بالمكسرات التي تزيد جمال الشكل ولذة الطعم.

وطعمها اللذيذ جدًّا جعل الضيوف لا يستطيعون مقاومتها فأخذوا يتقاطفونها، وبعضٌ أرجع أصل تسميتها لتشابه ملمسها مع ملمس قماش القطيفة.

ومهما اختلفت الروايات في تاريخ ميلادها وسبب تسميتها؛ فإن هذا لن يزيدها إلا تألقًا في مذاقها الطيب جدًّا، خاصة أنها عايشت مراحل أجداد الأجداد، الأمر الذي جعلها تواكب المتغيرات باللون والطعم بعد وضع اللمسات الإضافية.

ولشهرتها أخذ بعض الشعراء في التغني في أبيات شعرهم بها:

لله در قطائف محشوة ... من فستق دعت النواظر واليدا

شبهتها لما بدت في صحنها ... بحقاق عاج قد حشين زبرجدا

كيف تعدها؟

وحينما نتحدث عن القطائف لا بد من الحديث عن رحلتها التاريخية على الأطباق المزخرفة الجميلة للتقديم، وقبل هذا لا بد أن نتعرف من قرب أكثر لهذه الحلوى اللذيذة التي يحبها الصغار والكبار، الأمر الذي يدفع إلى تبيان مكوناتها في أثناء إعدادها وطريقة عملها من قرب إذ تقول الغزية وفاء سلام، التي اكتسبت خبرة تحضير القطائف منذ 50 عامًا لصحيفة "فلسطين": "العناصر الأساسية لتحضير القطائف تتكون من كوبي طحين ونصف كوب سميد، ويضاف السكر حسب الرغبة أكثرها 3 ملاعق، وملعقة بيكنج باودر، وملعقة ماء الزهر، وملعقة من النشا، وكوبين وربع من الماء".

وتتابع وهي تعد القطائف: "تخلط المكونات معًا، وبعد ذلك يضاف الماء وماء الزهر تدريجًا مع الخلط المستمر بالخلاط الكهربائي أو يدويًّا، وبعد تجانس المكونات تمامًا تغطى مدة تتقارب ساعة".

والآن تأتي الخطوة التالية إذ تحضر مقلاة، وينصح بأن تكون من نوع لا يلتصق به الخليط، وتوضع على النار، وبعد أن تكتسب المقلاة الحرارة يوضع الخليط بكمية قليلة في منتصفها بحيث تتوسع دائريًّا، وما هي إلا مدة زمنية قليلة جدًّا حتى تأخذ في النضج، ويكتسب أسفلها اللون الذهبي المُصطبغ باللون البني الجميل".

وبعد أن أخذت الأنفاس تشتم رائحتها الطيبة إذ أصبحت ناضجة توضع على قطع من القماش، حتى تبرد قليلًا قبل حشوها.

وهذه الطريقة أساس تحضير القطائف، وهذا اللون المتعارف لها، وقد اشتهرت بهذا الشكل والطعم في أغلب بلدان العالم.

الطعم في الحشوة

وبعد الانتهاء من تحضير القطائف تأتي مرحلة الحشوة التي تعطيها مذاقها الرائع المختلف، وهنا تأتي لحظة التطور والاختلاف اللذين صاحبا طعمها في البلاد.

وتذكر مراسلة "فلسطين" التي تناولت القطائف سنوات في دولة الكويت وغيرها من الدول أن الحشوة الدارجة هي المكسرات التي تتكون من عين الجملة والقرفة، والزبيب وجوز الهند والقرفة، وحشوة الجبنة الحلوة التي تمتد في الحرارة وتعرف بالعكاوي، وتقلى في زيت الطعام الحار، وبعد أن تكتسب اللون الذهبي تصفى من الزيت، وتكسب الطعم الحلو بالعسل أو القطر (ماء محلى كثيف القوام يصنع من الماء والسكر والليمون)، وهذا الدارج في بلاد الشام.

أما العراق الذي يشتهر بإنتاج القشطة البيضاء اللذيذة فالدارج وضع القشطة في القطائف وتزيينها بالفستق الحلبي، ولا توضع بالزيت الحار، إنما يسكب عليها القطر المعروف باسم (الشيرة)، وغالبًا تكون قطع القطائف فيها صغيرة وهي تسمى "القطايف العصافيري"، وهذه الطريقة مشهورة أيضًا في سوريا، وكذلك تحشى بالتمر إذ تمتاز العراق وتشتهر بأجود أنواع التمر، ويصل أنواعها إلى أكثر من 88 نوعًا، فيحشى التمر فيها.

ورغم الاختلاف في الحشوة تبقى متقاربة، وإن كانت بالأمس غريبة أصبحت اليوم دارجة، إلا أن الاختلاف الذي كان واضحًا هو في اللون إذ باتت توضع صبغات طعام لخلطة القطائف، منها اللون الأزرق، والأصفر، والأحمر، والأخضر، التي أثرت في طعمها، لكنها أصبحت مفضلة لدى بعضٍ، وتُعد هذه الألوان دخيلة على اللون الأساسي للقطائف الذي يميل إلى اللون السمني من الأطراف، واللون الذهبي المختلط بالبني من الوسط.

وهذا الاختلاف لم يصب اللون وطعمها الخارجي فحسب؛ بل أصاب داخلها أي حشوتها؛ فبعضٌ يضع عجينة الشوكولاتة، وهنالك من يضع قطعًا من فاكهة الموز في حشوتها.

ورغم أنها مشهورة أنها حلوى وحشوتها تشتهر بالمذاق الحلو بعضٌ غير من ملامحها وجعلها من عالم الموالح، بعد حشوها بطريقة مختلفة وغير دارجة تتمثل في حشوة السبانخ ذات الأوراق الخضراء، فاكتسبت طعمًا مالحًا يمزج بالطعم الحلو، لأن القطائف يوضع عليها سكر، والمالح مكتسب من السبانخ.

والتاريخ العريق للقطائف امتدت شهرته ليس في الدول العربية والإسلامية فحسب؛ بل أيضًا في الدول الغربية، حتى إنه وصل إلى الصين وبلجيكا وأمريكا وكندا وغيرها من الدول، من طريق الجاليات العربية التي حافظت على الموروثات العربية وطقوسها بقدر الإمكان، خاصة في شهر رمضان المبارك، إذ تقول زينة عبد السلام (37 عاما) -وتنحدر من مدينة غزة- لصحيفة "فلسطين": "إن الغربة والبعد عن الوطن والأهل ذلك جعلنا نحافظ على العادات والتقاليد، التي منها تحضير القطائف على الطريقة الفلسطينية بحشوها بالمكسرات، والتمر".

وتوضح أنها تعدها بنفسها؛ فسنوات غربتها شجعتها على تعلمها، نظرًا لأن نمط الحياة يختلف في الدول الغربية حيث لا تتوافر القطائف كثيرًا مثل غزة، ولا تكتفي بأن تتناولها مع عائلتها؛ بل أيضًا تقدمها على أنها حلوى رمضان لأهل بلجيكا الذين أعجبوا بمذاقها ورغبوا بالتعرف إلى طريقة صناعتها.

والأمر ذاته حدث في أمريكا حيث نقلت آمال الخزندار (62 عامًا) من مدينة غزة القطائف العربية التي تعلمتها من والدتها؛ فهي تعدها ليست مجرد حلوى بل تراثًا إذ تقول لصحيفة "فلسطين": "القطائف تمثل لي في الغربة أكبر من مجرد حلوى؛ فهي تمثل موروثًا تعلمته من والدتي التي تعلمته من جدتي، وأخذ يتناقل من جيل إلى جيل"، وتحرص على تقديمه للضيوف بأطباق من الهدايا.

ومهما اختلفت ألوان وحشوات القطائف فإن شكلها المتعارف بحشوة المكسرات، ولونها السمني حول قرصها الذهبي، هو الذي يحتل الصدارة، خاصة حينما تقدم في أطباق مزخرفة تزيد من جمالها، وتضع عليها رشة الفستق الحلبي الذي يزيدها جمالًا في الشكل ولذة في الطعم عند تناولها بعد صلاة الترويح بصحبة القهوة العربية.