فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

رمضان والتراث يفوحان من شوارعها وأزقتها.. "رحلة" إلى القدس

...
القدس المحتلة-غزة/ ريما عبد القادر:

بمجرد أن تقترب من مدينة القدس تشعر أن هنالك فرحة ارتسمت على ملامحك من الصعب أن تُخفيها، وأن نبضات قلبك زادت دقاتها، وكلما اقتربت أكثر، وكانت وجهتك الأولى المسجد الأقصى؛ ازدادت أحاسيسك تلك.

وعندما تقدمت خطوات مراسلة صحيفة" فلسطين" أكثر حيث باب الأسباط المؤدي إلى الحرم القدسي الشريف كانت الخطوات متسارعة، في ممر تحفه أشجار القدس عن اليمين والشمال، وأول ما تبصره العين بعد ذلك القبة الذهبية التي تزداد جمالًا عند تعانقها مع أشعة الشمس؛ فبذلك يزداد القلب نبضًا؛ فخطوات قليلة وتكون في المسجد الأقصى ذاته.

غالبًا ستجد العديد من أبناء شعبك من الخليل ونابلس وغيرها من المدن الفلسطينية يشهدون بجوارك صلاة الجماعة وصلاة الظهر، وكذلك العصر، ستعرفهم من لهجاتهم وأثوابهم المطرزة بالتطريز الفلاحي؛ فكل مدينة لها الثوب الذي يميزها من غيرها؛ فالجميع مشتاق للصلاة في المسجد الأقصى، خاصة أن العام الماضي منعت كورونا والاحتلال الصلاة في المسجد، حتى هذا العام الأعداد أقل مما سبق.

وستجد الأطفال ينتشرون من حولك في حب الأقصى؛ فغالبًا العائلات المقدسية تحرص على اصطحاب أطفالها المختلفين في سنوات أعمارهم حتى الرضع، تربط أفئدتهم الصغيرة بحب الأقصى والرباط فيه، وستجد من حولك نساء يسندن ظهورهن إلى جدران المسجد وهن يتلون آيات الرحمن.

"في السابق كانت البلدة القديمة تمثل القلب النابض، ليس للقدس فحسب، بل للمدن الفلسطينية، لكن بعد بناء الجدار العنصري اختلف الوضع كثيرًا" بهذا يبدأ الإعلامي المقدسي محمد أبو خضير حديثه إلى صحيفة "فلسطين".

ويتابع: "انعكس ذلك على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وكل مناحي الحياة في مدينة القدس".

ويلفت أبو خضير إلى أن البلدات من داخل الجدار والقريبة من القدس تكون مستهدفة من الاحتلال الإسرائيلي أكثر من غيرها، والهدف من ذلك تجفيف المنابع لمدينة القدس ومنع الوصول إلى المسجد الأقصى.

ويبين أن الفلسطينيين يحاولون التصدي لهذا الاستهداف بالوجود في المسجد قدر المستطاع، وصلاة التراويح التي يشهدها ما يقرب من 80 ألف مصل.

ويذكر أن في رمضان أجواء برائحة مقدسية تتمثل في وجود الحكواتي الذي يروي قصصًا إسلامية وتاريخية وعربية ومقدسية، بعد الإفطار.

ويشهد سوق العطارة المعروف بـ"العطارين" الذي يعد من أقدم الأسواق المقدسية إذ يوجد منذ أكثر من 600 عام حركة نشطة في رمضان، يوضح أبو خضير أن هذا السوق قبل رمضان كان يغلق بعد صلاة المغرب، لكنه في رمضان يكون من الأسواق الحيوية إذ لا يغلق أبوابه إلا بعد السحور، ويتناول أصحاب المحلات السحور فيه قبل إغلاقه، ويبين أن هذه الأسواق مستهدفة من الاحتلال، خاصة أنها مؤدية إلى المسجد الأقصى.

وللحفاظ على تروية المسجد الأقصى من المصلين يذكر "أبو خضير" أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة سنة 1948 ينظمون رحلات إلى المسجد الأقصى، وبذلك تحيا أيضًا الأسواق المقدسية.

المصاطب والمقلوبة

ومن صور التكافل الجميلة في القدس يوضح أبو خضير أن الطعام والخضراوات والماء والقهوة والشاي توضع عند مصاطب شهداء المسجد الأقصى القريبة من باب الرحمة، فمن لم يحضر فطوره أو سحوره يتوجه إلى تلك المنطقة ويفطر ويتسحر.

ومن يبعدهم الاحتلال عن المسجد الأقصى يجتمعون بالقرب من باب الأسباط، ويفطرون في هذه المنطقة ويصلون فيها، خاصة أن صوت الأذان يكون واضحًا.

وغالبًا تعد المرابطات اللاتي يمنعهن الاحتلال من دخول المسجد الأقصى أكلة المقلوبة، ويرجع ذلك إلى أن أهل القدس كانوا يعدونها، ويطلق عليها "الباذنجانية"، لأن الباذنجان الأكثر طعمًا مستخدم فيها، وعندما فتح القائد صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس قُدمت هذه الأكلة له، فأطلق عليها اسم المقلوبة، وبذلك ارتبطت هذه الأكلة بفتح مدينة القدس، وهذا الذي يجعل المرابطات يحرصن على إعدادها وتناولها بالقرب من باب الأسباط في إشارة إلى تحرير المسجد الأقصى.

واعتاد أبو خضير منذ أكثر من 35 عامًا الصلاة في منطقة قديمة الوجود في المسجد الأقصى، وهي محراب سيدنا عمر رضي الله عنه"، ويوضح أنه بعد الإفطار يسرع إلى المسجد حتى يصلي المغرب ويمكث فيه حتى صلاة التراويح ولا يستطيع المكوث أكثر؛ لأن جيش الاحتلال يمنع ذلك ويعتدي بالضرب على كل من يخالف ذلك.

ويبين أن ذلك جعله يعتكف في المسجد القريب من المسجد الأقصى، وهو مسجد الشيخ لولو الذي يعد من المساجد القريبة من باب العمود.

وقبل أن ترتحل من المسجد الأقصى لا بد أن تمر بسوق القطانين الذي يعد من الأسواق القديمة وكان قديمًا يبيع القطن، لكن اليوم أصبح محلات تجارية مُختلفة البضائع، لكن لا يزال محتفظًا بعراقته التاريخية، حيث تقوس مدخله وجدرانه التي تشتم منها رائحة الأجداد والثبات والصمود، وتشهد حركة هذا السوق نشاطًا في رمضان.

وقبل أن تنتهي رحلة مراسلة صحيفة "فلسطين" كان لها جولة في هذا السوق، حيث كل شيء تفوح منه رائحة التاريخ المقدسي القديم، لا سيما الكعك اللذيذ الذي يرتبط وجوده بالقدس، وغالبًا يوضع على مائدة الإفطار في رمضان في المسجد الأقصى، ويتناول يوميًّا.

وبالقرب من المخبز القديم جدًّا كان صانع وبائع حلوى الحلقوم والمن والسلوى، التي كان طعمها يفوق طعم أي حلوى؛ فقد صنعتها أنامل مقدسية، هي ذاتها التي تجاهد وتصمد للبقاء، رغم اعتداءات جيش الاحتلال المتكررة عليها، والضرائب التي تثقل كاهلهم كثيرًا.

ومن المحال أن تصل قدماك إلى هذا السوق دون أن تتسارع خطواتك إلى محل الخزف المقدسي الذي اشتهر بلونه الأزرق، ذي الصناعة اليدوية العريقة التي تناقلت من الأجداد إلى الأحفاد، وبعد جولة في سوقها العريق لا بد أن تحين لحظة المغادرة، حينها ستودع مدينة القدس بعد صلاتك في رحاب مسجدها، ستجد أن قلبك يحن للعودة، وخطواتك تتثاقل بالوداع، وتلتفت بأنظارك إلى الخلف بنظرات تحمل ألم الوداع، كلما ابتعدت عنها.