"قريبون جغرافياً فما المانع من أن يُطلب "القرب" وتحدث المُصاهرة؟"، وفق طريقة التفكير هذه تجرأ بعض سكان المدن الحدودية في الضفة الغربية والقريبة من الداخل المحتل، على التفكير في توطيد العلاقات الاجتماعية فيما بينهم بالاتجاه نحو اتخاذ أهم قرارٍ مصيري في الحياة وهو الزواج من بعضهم.
مدينة قلقيلية تعد من أقرب المدن الفلسطينية للأراضي المحتلة عام 48، مثل الطيبة والطيرة وكفر قاسم وجلجولية وكفر برا، ولكنّ زواجا في هذه الحالة ترى هل يكون محفوفا بالمخاطرة؟، مراسل "فلسطين" حاول البحث عن إجابة في سياق هذا التقرير.
محمود شواهنة من قلقيلية شقيق فتاة تزوجت من شاب من الداخل المحتل، يقول:" في البداية واجه زواجهما بعض التعثر، وكاد أن يصل بهما إلى الانفصال، لولا أن زوج أختي انتقل من بلدة جلجولية إلى قلقيلية، رغبة منه في إيجاد فرصة في استمرارهما معاً، وإلى أن تعتاد أختي على الحياة هناك، وبفضل الله أنقذهما الانتقال من الطلاق".
ويفسر سبب الخلاف بتوضيح من هذا القبيل: "واقع الحياة في الأراضي المحتلة يختلفُ كلياً عن واقعها في الضفة الغربية، بما في ذلك التعامل على الصعيد الاجتماعي مع محيط الزوج، وغيرها من شئون ترتبط بالعادات والتقاليد".
ويقر شواهنة بأن عائلته لم تكن تعلم قبل الزواج بالفوارق الاجتماعية بين الضفة والداخل، مع أن المسافة بين جلجولية وقلقيلية لا تتعدى الأربعة كيلو متر، وفق قوله.
بدوره قال حسين عبد الله حسنين ( 62 عاما) لـــــ"فلسطين": "تزوجت ابنتي من رجلٍ يسكن قرية جت في المثلث الشمالي، وهو يكبرها بعشرين عاما، ونتيجة الفوارق الاجتماعية بيننا كانت النتيجة الطلاق وطفلة هي الضحية".
ويضيف: "ما زال الأمر عالقاً بيننا وبينه على قضية النفقة، وكونه في الداخل المحتل لا تسري عليه قوانين المحاكم الشرعية، بمعنى أنه إذا ما تخلّف عن دفع النفقة فلا يخضع لأي مساءلةٍ قانونية".
وينصح حسنين كل أب بأن يفكر مطولاً قبل الإقبال على تزويج ابنته من أي شخص من الداخل المحتل، فمن وجهة نظره أن وقوع أي خلافٍ بينهما سيكبد الفتاة الثمن لأن الزوج ببساطة لن يخضع لقوانين المحاكم الشرعية.
وتجدر الإشارة أن يوسف دعيس قاضي القضاة ورئيس المحكمة الشرعية الفلسطينية كان قد ذكر سابقاً أن 95% من نساء الضفة اللاتي تزوجن في مناطق الداخل تعرضن للطلاق.
وفي استطلاعٍ سريع حول آراء المواطنين في الزواج بين منطقتين مختلفتين في العادات والتقاليد وطبيعة القوانين المعمول بها في المحاكم، قال محمد نزال:" إذا كان الهدف توطيد العلاقات بين أبناء الشعب الواحد، نتوقع زواجاً مباركاً بإذن الله، أما إن كان لمصلحة، فالزواج سيؤول للفشل وضياع حقوق الزوجة".
ونبه عبد الرحمن جعيدي إلى نقطة حساسة، تتعلق بطموح أحد الطرفين في الحصول على البطاقة الزرقاء والتي يعامل حاملها على أنه "مواطن إسرائيلي"، إلا أن القوانين الإسرائيلية تمنع لم الشمل، وبالتالي سيذهب طموح أحدهما سدى، ليبقى الوضع القانوني عالقاً بفعل النهج العنصري الذي يتبناه "الكنيست".
ولا يحبذ المربي محمد جعيدي هذه المغامرة، وهو شخصية لها اعتبارها في مدينة قلقيلية، معللاً رأيه: "الزواج من أهلنا في الداخل له اعتبارات، فــــ دولة الاحتلال يتجسد فيها "الأبارتايد"- أي التمييز العنصري"- بكل تفاصيله المقيتة، ونتيجة لذلك فإنني لا أشجع زواجاً سيشهد المعوقات من أول يوم، أي حياةٍ ستكون لزوجين يعيش كل منهما في مكان مختلف؟!، وفي المحصلة يضيع الأبناء في هذه المسألة المعقدة".
فيما يرى سعد حماد أن اختلاف العادات والتقاليد ستترتب عليه مشاكل بين الطرفين، وبالتالي العائق لن يكون سهلاً مما سيرمي الزواج في مرمى الخطر، أو على الأقل سينتظره مستقبل مجهول.
وبدا محمد شريم صريحاً برفضه هذا الزواج، ليس انتقاصاً من أي طرف، وفق تعبيره، إذ يشير إلى أن المحاكم الشرعية ليست لها سلطة على الأزواج في مناطق الــــــ 48، وبالتالي يبقون في مأمنٍ بعيدين عن أية مساءلة قانونية.