قائمة الموقع

فتح عمُّورية.. الصَّرخة التي فتحت المدينة الأَحصن

2021-05-03T16:43:00+03:00

بعد أن فتح أنقرة سأل المعتصم قواده: "أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟"، فقيل له: "عمورية"، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية، وأشرف عندهم من القسطنطينية، فعزم المعتصم على غزوها وفتحها تأديبًا للروم على ما فعلوه في المناطق الإسلامية عامة، ومدينة ملطيَّة خاصة!

الزمان: رمضان عام 223ه.

المكان: مدينة عمورية وتقع في الوسط الغربي من الأناضول إلى الجنوب من أنقرة، وتُسمى اليوم "سيفلي حصار".

أطراف الصراع: 200 ألف مقاتل من المسلمين بقيادة الخليفة العباسي المعتصم أمام أهل مدينة عمورية وجندها من البيزنطيين بقيادة البطريك مناطيس، وهو نائب الإمبراطور البيزنطي على عمورية.

زبطرة: من الثغور الإسلامية المتاخمة للحدود البيزنطية وتقع في الجنوب الغربي من الأناضول، وقد اعتدى توفيل إمبراطور الروم على هذا الحصن، فخرَّبه وقتل أهله ومثَّل فيهم بقطع الأنوف والآذان وسمل العيون أيضًا، وسبى نساءه حتى بلغ عدد النساء الأسيرات ألف امرأة، ضجَّ المسلمون واستغاثوا في المساجد، واستغاثت امرأة هاشمية (شراة العلوية) بالمعتصم بعد أسرها منادية: "وامعتصماه!"، وكان ذلك سببًا في فتح عمورية.

عندما تسلم المعتصم الخلافة العباسية من المأمون كانت بلاد فارس تمور بفتنة قادها بابك الخرمي، إذ تمرد وأعلن الخروج على حكم العباسيين، وقاد فرقة ضالة تُؤمن بالحلول وتناسخ الأرواح، وتدعو إلى الإباحية الجنسية، بدأت في أذربيجان واتسعت رقعتها حتى كادت تطيح بالخلافة الإسلامية في زمن المأمون، وامتدّت مدة 20 عامًا.

تحالف الخرمي مع إمبراطور الروم تيوفيل، وتواصل معه يحثّه على مهاجمة مناطق الخلافة الإسلامية العباسية التي انشغلت بقتال الخرمي وأتباعه، قائلًا: "إنَّ المعتصم لم يبقَ على بابه أحد، فإن أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحدٌ يمنعك".

واستجاب إمبراطور الروم وجهَّز جيشًا كبيرًا سار به إلى بلاد الإسلام، يهاجم المدن والقرى، فكانت مدينة ملطيَّة من المدن التي دمرها جيش الروم، واعتدى على حصن زبطرة أيضًا.

وعندما استغاثت المرأة المسلمة قائلة: "وامعتصماه!"؛ سخر منها جندي من جند الروم قائلًا: "ليأتينَّك المعتصم على حصان أبلق!" (أي حصان أصيل، بني اللون أبيض القوائم).

حمل رجل مسلم تلك الصرخة ومضى بها إلى سامرَّاء عاصمة المعتصم، يبلغه بما يحدث في الثغور.

اشتعلت الحمية في قلب المعتصم واستعظم الأمر، وأجاب وهو جالس على مقعده قائلًا: "لبيك لبيك لبيك! ليأتينك المعتصم على حصان عربي أبلق!".

ونهض من ساعته، وصاح في قصره: "النفير النفير"، ثم ركب حصانًا أبلق، ومضى يتجهَّز للقتال ويجمع جيشًا عظيمًا، حتى قيل: إنَّه لم يتجهَّز قبله بمثله. خرج المعتصم على رأس الجيش حتى وصل إلى الحد الفاصل بين دولة الإسلام والدولة البيزنطية "نهر اللامس" فأقام عليه، وقسَّم الجيش، وأمَّر على فرقه خيرة قادة المسلمين، ثم أمر القادة بغزو بلاد الروم من ثلاث جهات، وسيَّر أمامه قائدًا ليفتح الطريق أمام الجيش، فتح المسلمون أنقرة، ثم ارتدُّوا إلى عمورية، فحاصروها، وشرعوا يرمونها بالمجانيق، والروم يردون القصف بالقصف من داخل الأبراج المنيعة.

خمسة وخمسين يومًا حاصر المسلمون المدينة، عمدوا فيها إلى ردم جزء الخندق الذي يحيط بالسور من الخارج، وسلَّطوا قصفهم على بقعة واحدة في سور المدينة حتى تصدَّع وانشقَّت ثغرة فيه دخل منها المسلمون مهللين مكبرين.

لتبدأ المواجهة..

قاتل المسلمون ببسالة ودافع الروم عن مدينتهم دفاع المستميت، وكُتب النصر للمسلمين، وسقطت عمورية الحصينة بيد الفاتحين المحررين.

حرروا الأسيرات من قبضة الروم، وبحث المعتصم عن صاحبة الاستغاثة وسألها: "هل لبى المعتصم نداءك؟!".

خلد الشعراء هذا الفتح العظيم بأشعارهم، ومنهم كان الشاعر "أبو تمام" الذي قال في مطلع قصيدته:

السيف أصدق إنباءً من الكتب*** في حدِّه الحد بين الجد واللعب

سقى الله أيامًا كان لدى العرب والمسلمين غيْرة وحمية دفعتهم لفتح بلاد وأمصار استجابة لصرخة استغاثة، واليوم نساؤنا تُغتصب وتسجن وتُشرَّد وتُقتل وتستغيث فلا تجد إلا آذانًا صماء لا تسمع!

اخبار ذات صلة