فلسطين أون لاين

​رمضان ينبض في حارات وأزقّة القدس

...
القدس المحتلة / غزة - مريم الشوبكي

يبزغ الفجر فتخرج المقدسية فاطمةُ البكري من بيتها في مدينة القدس تشبك كفيها بكفي طفليها، تسير في أزقة وحارات القدس التي تزينت بالفوانيس والأهلة والأضواء الملونة، لتؤدي صلاة الفجر في المسجد الأقصى، هذه الأجواء تأخذها وطفليهما إلى جو روحاني لا يتكرر سوى مرة كل عام.

لما تنفض جموع المصلين تجلس لقراءة وردها اليومي، ثم تستنفر حواسها لسماع درس ديني يلقيه دعاة من مختلف البلدان على مدار شهر رمضان، لتعود بعدها فاطمة أدراجها إلى بيتها، تحضر نفسها وعائلتها للعودة إلى الأقصى قبيل الإفطار.

الساعات التي تسبق الإفطار تكون فيها البلدة القديمة وأبواب المسجد الأقصى مختلفة عن أي وقت، تنبض بالحياة بعد أن غيبها الاحتلال الإسرائيلي باقي أشهر السنة، يجد التجار وأصحاب "البسط" متنفسهم لاستقبال المشترين على الأبواب.

تعود البكري أدراج رحلتها إلى المسجد الأقصى من باب العامود، قبيل سويعات قليلة من ضرب مدفع الإفطار، يقطع بنات أفكارها رنات جرس تتبعها عبارة: "عرق سوس، تمر هندي"، ثم تداعب أنفها رائحة القطائف المقدسية الشهيّة.

تروي لـ"فلسطين" لحظات ما قبل الإفطار: "تجلس العائلات التي تقصد الأقصى من مدن الضفة الغربية كافة والأراضي المحتلة عام 1948م، في حلقات في أرجاء باحة المسجد، وتتبادل المأكولات التي أعدت في البيوت فيما بينها، وهنا يكون الجو العائلي في أبهى صوره".

وتضيف: "في يومي الخميس والجمعة يزدحم الأقصى بالمصلين والزوار، إذ تؤمه أعداد هائلة من المصلين تصل إلى 150 ألف مصل، ومع هذه الأجواء تختلط مشاعر الشجن والسعادة؛ ففي سائر الأشهر تشدد الإجراءات الأمنية ويمنع الفلسطينيون من دخول الأقصى".

أول صلاة للتراويح التي تعقب إعلان ثبوت هلال رمضان لها مذاق خاص للبكري، تقول: "لا يمكن أن أفوت فرصة أداء أول صلاة تراويح في الأقصى؛ فلها جو رهيب لا تصفه الكلمات، حتى صلاة الفجر أحاول جاهدة ألا أضيعها، حتى أستمتع بأجواء البلدة القديمة المغيبة طوال السنة".

وتتابع: "عند مداخل القدس القديمة _وخاصة باب العامود_ تنتشر البسطات التي تعرض المأكولات التي تميز الشهر الفضيل، ما بين رائحة الخبز المجدل، والكعك المقدسي، ودسامة رائحة الهريسة والقطائف، والعوامة، والمشبك".

"ولا ننسى الزينة التي تكسو البلدة القديمة قبل قدوم رمضان بأيام قليلة، وتتجلى فيها أسمى معاني التعايش الإنساني، إذ يتسابق شباب البلدة من مسلمين ومسيحيين في تعليق زينة رمضان على مداخل البلدة وجدران أزقتها وحاراتها وبيوتها، ليمنحوها حلة عربية إسلامية"، وفق قول البكري.

أنشطة مختلفة

وتلفت إلى أن المسجد الأقصى يعج في رمضان بالأنشطة الدينية والاجتماعية والإنسانية، وتنشط الجمعيات المقدسية في تسيير رحلات إلى المسجد الأقصى، وأيضًا تُعقد أنشطة للزائرين، ويقود المقدسيون وفلسطينيو الداخل والضفة المحتلة حملات على منصات التواصل الاجتماعي للتعريف بالمسجد الأقصى والحث على زيارته.

والأجمل في رمضان حينما تشهد على إشهار أشخاص غير مسلمين إسلامهم من على منبر المسجد الأقصى، وما يدخل في القلب السرور أن تلمح أناسًا من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية يحرصون على الوجود بالقدس في رمضان وتتعرف إليهم، ومنهم من يعطي دروسًا دينية.

وفي رمضان يعود المغتربون المشتاقون للقدس إلى أحضانها، لأنهم تواقون إلى الشعور بروحانيات الشهر الفضيل في رحاب الأقصى، ولأن رمضان لا طعم له إلا بهما.

وفي نهاية يومها المفعم بالإيمان ما بعد صلاة التراويح والتهجد تعود "فاطمة" إلى بيتها تنتظر شروق شمس يوم رمضاني جديد، تعيد فيه بلا ملل طقوسها الرمضانية حتى أفول رمضان، الذي ستنتظره بشوق حتى يعود إليها العام القادم.