تعكس مواقف قيادة الاحتلال حيال قرار وقف أو تقليص تزويد قطاع غزة بالكهرباء الإسرائيلية، بناء على طلب السلطة الفلسطينية ذلك، خلافًا بينًا، وفق مختصين فلسطينيين، انطلاقًا من إدراكهم بأن غزة باتت كقِدر تغلي قد تنفجر في وجوههم، في ظل توصيات أجهزة استخبارات وأمن الاحتلال بالحفاظ على حالة الهدوء مع القطاع.
وبدا الخلاف في الموقف بعد إعلان ما يسمى بـ"منسق عام شؤون المناطق الفلسطينية" يوآف مردخاي، أول من أمس، بأن حكومة الاحتلال ستقلص كمية الكهرباء التي تزود قطاع غزة بها بعد نحو أسبوعين. الأمر الذي انتقده وزير طاقة الاحتلال يوفال شتاينتس.
وقال: "عليك ألا تتلقى التعليمات من السلطة الفلسطينية، وأنني فقط المخول بتحديد أين سيتم التقليص".
إلا أن مختصين في الشأن الإسرائيلي، ذكرا لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال والسلطة يستخدمان "ورقة الكهرباء للمساومة"، واستثارة أهالي القطاع للثورة على أنفسهم، وخلق حالة من الفوضى والهيجان، بتأزيم ملف الطاقة، وللضغط على غزة من أجل القبول لاحقا بما هو مطروح إقليميًا.
وعادت أزمة كهرباء غزة لتطفو على السطح من جديد، في منتصف أبريل/ نيسان الماضي، بعد انتهاء منحتي الوقود القطرية والتركية لدعم تشغيل محطة التوليد، وإثر رفض السلطة إعفاء وقود المحطة من ضريبة "البلو" التي تضاعف سعر لتر السولار من 2.2 شيقل إلى نحو خمسة شواقل.
واتبعت قرارها بإبلاغ "مردخاي" توقفها عن تمويل فاتورة غزة بالكامل، لكن حكومة الاحتلال لم تستجب، واستقطعت 40 مليون شيقل من مقاصة الضرائب، الأمر الذي أثار غضب السلطة.
ويرجح المختصين، استجابة الاحتلال هذه المرة للطلب بتقلص جزئي لإمدادات التيار ولفترات قصيرة في محاولة لجس النبض، ودراسة مستويات رد فعل الشارع الغزي على الخطوات العقابية.
آلية التحكم
ويرى، المحلل السياسي فرحان علقم، أن حكومة الاحتلال تريد إبقاء آلية التحكم والضغط على القطاع ضمن سيطرته تبعا لمستوى الاحتقان داخل غزة، وذلك بألا تقود هذه الإجراءات للانفجار "ويعتقد أن من غير الحكمة ترك زمام تشديد الحصار في يدي السلطة".
ويشير إلى أن الاحتلال يريد أن تصب إجراءات السلطة العقابية والضاغطة على غزة في صالحه سياسيًا وأمنيًا.
ومن جانب آخر، فإن الاحتلال يستفيد من تلك الإجراءات بإضفاء "صبغة سياسية شرعية توافقية" على الحصار الذي يفرضه على غزة منذ 11 عامًا، باعتبار السلطة الفلسطينية "الجهة الرسمية التي تمثل الشعب الفلسطيني رسميًا في المحافل الدولية"، كما يقول علقم.
وتمثل الإمدادات القادمة من (إسرائيل)، عبر عشرة خطوط تنقل 125 ميغاوات (30% من التيار المتوفر)، أهمية بالغة لتوفير الكهرباء لمليوني فلسطيني بغزة، وإن كان ذلك لفترة بين أربع وست ساعات فقط في اليوم.
ويعتقد المختص بالشأن الإسرائيلي، أن أي تقليص على الكهرباء "يعني تهديدًا بسحب الورقة الأخيرة باللعبة"، باعتباره تلك الخطوط مصدرًا رئيسًا للحفاظ على الحد الأدنى من المستوى الإنساني والاقتصادي والاجتماعي والصحي.
انعكاسات سلبية
من جانبه، يقول المحلل السياسي تيسير محيسن، مع علقم في تعليل الرفض الإسرائيلي لطلب السلطة لما يحمله من انعكاسات سلبية على الوضع الأمني المستقر نسبيًا على السياج الأمني الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة عام 48.
ويقول محيسن: إن اختلاف المواقف الإسرائيلية بشأن أزمة الكهرباء مبنيٌّ على اعتبارات أمنية تقول بأن القطع أو التقليص "لن يغير من مواقف حماس ولن يضغط عليها للقبول بما يخالف فكرها السياسي الذي ينظر لأي مشاريع إقليمية للحل على أنها تصفية للقضية الفلسطينية".
ويلفت محيسن إلى أن السلطة تدرك ما تمثله الكهرباء بالنسبة للسكان الذين تعايشوا نسبيًا مع الأزمة بقبول ثماني ساعات وصل للتيار يوميًا، وهي بإفقاد غزة أكثر من 70% من الطاقة تستخدم الملف كأداة لإغضاب المواطنين ودفعهم إلى مواجهة حماس.
وبدأت السلطة سلسلة إجراءات عقابية ضد غزة منذ مطلع ـبريل/ نيسان الماضي، من بينها تقليص 30% إلى 45% من رواتب موظفيها، وإقرار قانون التقاعد المبكر للعسكريين، ووقف تزويد القطاع بالأدوية والمستلزمات الطبية.
ويقول مسؤولون: إن تلك الإجراءات من شأنها "إخضاع حماس، ودفعها لتسليم غزة لحكومة رام الله". وتؤكد "حماس" أن إدارتها للقطاع هو نتيجة عدم تحمل الحكومة لمسؤولياتها المهنية تجاه غزة، وتعاملها مع القطاع كصندوق جباية.
ومنذ 10 سنوات يعتمد قطاع غزة، على أنظمة الطاقة البديلة، كشواحن إضاءة، والمولدات الصغيرة، والشموع، وألواح الطاقة الشمسية، في محاولة منهم للتعايش مع الأزمة المستعصية.
ويرى محيسن أن انعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين لا يسمح لكثير منهم بشراء أنظمة الطاقة الشمسية، رغم التسهيلات التي تقدمها الوزارات والبنوك لهذا الغرض، معتقدًا أن الأمور تتجه نحو مراوحة المكان والتحايل على الوضع والتعايش، مع مواصلة المطالبة بكل وسائل الضغط لوقف هذه الإجراءات.
ويعتمد قطاع غزة على ثلاثة مصادر أساسية للكهرباء توفر 212 ميغاوات، يقدم الاحتلال الإسرائيلي منها 125 ميغاوات، ومصر 32 ميغاوات، وشركة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة 60 ميغاوات، وفق أرقام سلطة الطاقة الفلسطينية، وهذه الكمية لا تسمح إلا بوصول التيار ثماني ساعات يوميًا في حال اشتغلت بكفاءتها المذكورة.