بيئة العمل من العوامل المهمة، التي يجب أن تتوافر لكي تزيد الإنتاجية ويرتقي العمال، ولكن الواقع في المنطقة العربية أننا أمام خريطة ذات تضاريس مختلفة لبيئات العمل، فثمة دول تعاني نزاعات محلية مسلحة في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والصومال.
كما تتورط السعودية والإمارات في حرب في اليمن مع الحوثيين منذ مارس/آذار 2015، فضلًا عن أوضاع مالية متراجعة بسبب الأزمة المزدوجة لجائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، ما أثر على بيئة العمل في دول الخليج.
وتعيش عدة دول عربية أخرى حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، مثل مصر وتونس والأردن والجزائر ولبنان.
وفي الأول من مايو/أيار من كل عام يتم الاحتفال بعيد العمال، وبعض الدول تعتبره إجازة مدفوعة الأجر. يذكر أنه بمراجعة موقع الأمم المتحدة، لم يدرج الأول من مايو/أيار على قائمة الأيام الدولية المعتمدة لدى المنظمة، وإن كانت المناسبة تفرض نفسها على الساحة الدولية.
ولعله من المهم في مناسبة عيد العمال أن نشير إلى مجموعة من القضايا التي تؤرق العمال العرب، وبخاصة ما يتعلق ببيئة العمل وشروطه، وحالهم مع البطالة والفقر، وكذلك وضعهم على خريطة الفعل السياسي.
العمال في ظل وجود الحكومات والقطاع العام كأرباب عمل، كانوا يحصلون على العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المتعارف عليها في العهود والمواثيق الدولية، وإن كانت هناك حالة من إساءة استخدام هذا الحق، سواء من قبل العمال أو من قبل الحكومات، من خلال توظيف هذه الحقوق في تدجين الحركات العمالية، وإقامة عقد اجتماعي ينظم علاقة العمال بالدولة في إطار ما يعرف بـ"الولاء مقابل العطاء".
ومنذ تسعينيات القرن العشرين والعديد من الدول العربية، إن لم يكن جلّها، تبنت برامج للخصخصة، تضمنت تخلّص الحكومات من المشروعات والمؤسسات العامة، وتسريح عمالها، أو تقليص عددهم، كما تنص غالبية برامج الإصلاح الاقتصادي مع المؤسسات الدولية على تقليص عدد العاملين بالحكومة والقطاع العام.
قلما حافظت إدارة القطاع الخاص على حقوق العمال، أو الإبقاء على دور للنقابات العمالية في المؤسسات والمشروعات التي تمت خصخصتها في المنطقة العربية.
أما مشروعات القطاع الخاص، التي أُنشئت في كنفه، فهي بعيدة بشكل كبير عن اعتبار حقوق العمال، باستثناء تحسين نسبي للأجور، ولكن في ضوء قرارات منفردة من إدارة هذه المنشآت وفي ظل استبعاد أي حوار مع الحركات العمالية والنقابية.
البطالة بالمنطقة العربية، كما يشخصها التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020، تعد من أعلى معدلات البطالة في العالم، فقد كانت عند نسبة 15.9% من قوة العمل في عام 2019، في حين كان المتوسط العالمي للبطالة 5.4%. ويبلغ عدد العاطلين بالعالم العربي 25.6 مليون فرد، ويشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن 75% من العاطلين العرب يتركزون في 5 دول عربية، هي: السودان وسوريا ومصر والجزائر والعراق.
وبلا شك فإن جائحة كورونا قد زادت من حدة البطالة في العالم العربي، وهو ما رصدته بيانات منظمة العمل الدولية، ولُمس من خلال ما تعرضت له الدول العربية من عمليات حظر كامل أو جزئي، أثّر بشكل كبير على فقدان فرص العمل القائمة، وقلّص من إمكانية إتاحة فرص عمل جديدة.
لم تكن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها جائحة كورونا، قاصرة فقد على زيادة معدلات البطالة، ولكنها شكلت جوانب كثيرة، منها حدوث انكماش في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجع كل من الصادرات والواردات، وشل حركة الطيران، وشل قطاع السياحة.
وفيما يخص تأثير كورونا على بيئة العمل في العالم العربي، يلاحظ أنه تم فقدان 5 ملايين وظيفة دائمة خلال عام 2020، كما تم تخفيض ساعات العمل بنسبة 9% في النصف الأول من 2020، وارتفع تخفيض ساعات العمل لنسبة 18.8%.
وكشفت كورونا عن معضلة أسواق العمل العربية فيما يخص مشكلات العمالة غير المنتظمة، التي تشكل جزءًا كبيرًا من سوق العمل العربي، ومدى هشاشة الحماية الاجتماعية لهذه الفئة من العمال، الذين لا يتوافر لهم تأمين صحي أو اجتماعي، ولا تتاح لهم إعانات بطالة، وفي أحسن الأحوال نال بعض هؤلاء العمال إعانات ضئيلة وغير منتظمة خلال عام 2020.