يُشكِّل استمرار التنسيق الأمني الذي تمارسه السلطة مع دولة الاحتلال وسيلة مهمة تُعطي الضوء الأخضر لـ(إسرائيل) لزيادة جرائمها ضد الفلسطينيين، خاصة الفصل العنصري والاضطهاد في مختلف الأراضي الفلسطينية المُحتلة، كما يرى مراقبون.
ويؤكد ذلك تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" أمس، جاء فيه أن سلطات الاحتلال ترتكب جريمتين ضد الإنسانية تتمثلان في الفصل العنصري والاضطهاد، مشيرة إلى أن التنسيق الأمني يُسهل ذلك.
وأوضحت المنظمة أن هذه النتائج تستند إلى سياسة حكومة الاحتلال الشاملة للإبقاء على هيمنة "الإسرائيليين اليهود" على المواطنين الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب ضد الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها شرقي القدس"، داعيةً السلطة إلى وقف أشكال التنسيق الأمني وإدراج الجرائم ضد الإنسانية بما فيها "الاضطهاد والفصل العنصري" في القانون الجنائي الوطني.
ويقول الناشط السياسي عمر عساف: إن "التنسيق الأمني الذي تمارسه السلطة يُشكّل عبئاً كبيرًا على الشعب الفلسطيني، ويساعد الاحتلال في ارتكاب جرائمه ضد الفلسطينيين، بما فيها الفصل العنصري والاضطهاد".
وأوضح عساف لصحيفة "فلسطين" أن التنسيق الأمني يسهل وصول الاحتلال إلى بعض المعلومات التي يعجز عنها، "وكأن هناك نوعا من التوافق الفلسطيني الإسرائيلي على مكافحة المقاومة الفلسطينية التي يعدها الاحتلال إرهاباً"، وفق قوله.
وعدّ معرفة السلطة بممارسات الاحتلال التي ينوي تنفيذها ضد الفلسطينيين دليلا كافيا على تسهيل ارتكاب الجرائم، منتقدًا موقف السلطة غير المتمسك بدعم الفلسطينيين وعدم شمولية منظمة التحرير لحقوقهم، ما يساعد الاحتلال في الاستفراد بالشعب الفلسطيني والأسرى.
وأكد عساف أن استمرار تمسك السلطة بالتنسيق الأمني ينعكس سلبياً على الحالة الفلسطينية ووحدة الشعب ونسيجه الاجتماعي، ويُسهل على الاحتلال القيام بمهامه المُدانة عربياً ودولياً وإنسانياً.
وطالب السلطة بضرورة تطبيق قرارات الإجماع الوطني الفلسطيني ووقف التنسيق الأمني، وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال.
شكل للتعاون
الباحث القانوني في مؤسسة الحق الفلسطينية تحسين عليان، يرى أن التنسيق الأمني أحد أشكال التعاون الذي يسهّل على الاحتلال ممارسة سياساته في الأراضي الفلسطينية.
ومن أبرز سياسات الاحتلال التي تسهم السلطة فيها، وفق ما ذكر عليان لصحيفة "فلسطين": الاستيطان، وهدم المنازل، وتعذيب الأسرى في سجون الاحتلال، وفرض الإقامة الجبرية أو سحبها من المقدسيين، وغيرها الكثير.
وشدد على ضرورة وقف التنسيق الأمني الذي يساعد الاحتلال في اضطهاد الفلسطينيين وممارسة سياسة الفصل العنصري بحقهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس وغزة.
وبيّن أن تقرير "هيومن رايتس" دليل على أن جريمة الفصل العنصري وربما الاستعمار ما زالا قائمين ويمارسهما الاحتلال في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعد استمرار سياسة الفصل العنصري "أحد أشكال تعزيز الهيمنة والسيطرة اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة على حساب الوجود الفلسطيني"، مشيراً إلى أن مؤسسته دعت المحكمة الجنائية الدولية إلى توسيع نطاق الجرائم التي ستحقق فيها، لتشمل جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد.
اعتراف بشرعية الاحتلال
إلى ذلك قال المحلل والخبير العسكري اللواء يوسف الشرقاوي: إن استمرار تمسك السلطة بالتنسيق الأمني يدل على اعترافها بشرعية الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يُساعده في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين.
وبيّن الشرقاوي في حديث لـ"فلسطين" أن الاعتراف بشرعية الاحتلال يعني المساهمة في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، بما فيها الفصل العنصري والاضطهاد الممنهج، وتعزيز سياساتها على حساب الشعب الفلسطيني.
وعدّ تمسك السلطة باتفاقية أوسلو وعدم وجود قيادة فلسطينية جادة من الأسباب التي تساعد الاحتلال في جرائمه وذلك لعدم التزامه بها، وهو ما ينعكس سلبيًا على الواقع الفلسطيني.
وقال الشرقاوي: "لدينا أزمة قيادة غير مهتمة بتغيير واقع الشعب الفلسطيني المُزري ولا تبذل جهودا لتحقيق ذلك".
وطالب الشعب الفلسطيني بأن ينتزع حريته بالقوة من خلال وضع الأمور في نصابها، خاصة مع غياب الديمقراطية من قيادة السلطة وعدم إصغائها لمعاناة المواطنين تحت الاحتلال.
تجدر الإشارة إلى أن التقرير ذكر أن سلطات الاحتلال ارتكبت مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بما تشكل خرقًا جسيمًا للحقوق الأساسية، وأعمالًا غير إنسانية هي شرط لتحقُّق الفصل العنصري.
وتشمل هذه الانتهاكات: القيود المشددة على التنقل المتمثلة في إغلاق غزة ونظام التصاريح، ومصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية؛ والظروف القاسية في أجزاء من الضفة التي أدت للترحيل القسري لآلاف الفلسطينيين من ديارهم، وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم حق الإقامة، وتعليق الحقوق المدنية الأساسية للملايين.