فلسطين أون لاين

الضيف حاضر في انتصار القدس

فرض المقدسيون إرادتهم في مواجهة عدوان وبلطجة الاحتلال وتمثَّل ذلك في قدرتهم على نزع الحواجز والموانع الحديدية، ومنع السيطرة على ساحة باب العمود، وطرد الجنود والمستوطنين، وإقامة الشعائر الدينية، وإفشال خطة السيطرة والتقسيم التي يجري التمهيد لها.

وكان ذلك نتاج الصمود، والتحدي، والاشتباك المباشر، والتوافد بالآلاف لنصرة المدينة المقدسة، وذلك نابع من الإيمان المطلق بأن الحقوق لا تسترد إلا عنوة، فكسر إرادة الاحتلال تتطلب إرادة صلبة تتحطم عليها مؤامرات العدو.

وبالتالي كانت النتيجة التي طمح لها المقدسيون وكل فلسطيني حر، بل وعربي ومسلم، وهذا بدوره يؤكد أن التدافع مع الاحتلال ومواجهته كفيل بردعه، وإيقاف مخططاته، وفضح ممارساته العدوانية ضد القدس.

لكن تحدي المقدسيين كان بحاجة إلى المساندة والدعم بكل الأشكال لأن الهبَّة التي اندلعت في باب العمود وبقية أرجاء القدس لم تندلع لدوافع مقدسية خاصة، إنما لأسباب ودوافع وطنية، تتطلب تكاتف كل الفلسطينيين خلفها، والتمترس حولها بكل قوة.

لذلك وجدنا هتاف المقدسيين للمقاومة الفلسطينية حين طيروا التحية للقائد العام (محمد الضيف) فيما يشبه مبايعة لهذا القائد بأن المقدسيين هم جنود رهن إشارتك في أي معركة مع الاحتلال، فدلالة الهتاف ليست عادية حين نطق أبطال القدس "حط السيف قبال السيف احنا رجال محمد الضيف" سواء ذلك من نواحٍ سياسية ووطنية أو حتى من نواحٍ جغرافية.

فمن النواحي السياسية يمثل ذلك إيمان أهل القدس بمشروع المقاومة وإقرار بفشل مشاريع التسوية وعدم إمكانية المراهنة عليها، ووطنيًّا فإن هذا الاحتضان وهذا الانتماء لشخص "محمد الضيف" ولمشروعه وللحركة التي يمثل "العمود الفقري" فيها يعتبر استفتاءً شعبيًّا حقيقيًّا على خيار المواجهة، والمقاومة؛ التي تمثله حماس مع بقية الفصائل والتي تتخذ من المقاومة المسلحة طريقًا لتحرير فلسطين.

وجغرافيًّا فإن القدس أثبتت أنها قطعة لا يمكن أن تنفصل عن الوطن وأن قائد الجهاز المسلح لحماس المقيم في غزة يمثلها بكل ما تعني الكلمة من معنى، وأنه قادر على نجدتها ونصرتها على الرغم من بعد المسافات، لقناعة جماهير القدس بهذا القائد وثقتها المطلقة به وبحركته (حماس) التي لا تزال تحتفظ ببصمات واضحة في كل مناطق القدس.

فلا يمكن لأحد نكران ذلك فقد ترسخ في وعي الجمهور المقدسي قدرة "كتائب القسام" على الوصول إلى هذه المناطق لردع الاحتلال على مر تاريخ وحلقات الصراع، إلى جانب قوى أخرى من فصائل المقاومة، فكان من صور ذلك؛ عمليات التفجير، ومحاولات الخطف، وإطلاق النار، وغيرها من العمليات وقبل أيام كنا في ظلال ذكرى عملية (التلة الفرنسية) التي نفذها رجال الضيف وكان أحدهم بطل من غزة "صلاح عثمان" الذي قضى بعد إصابته بالكورونا.

لذلك فإن "الرجل الحديدي" في حماس والذي يتوارى عن الأنظار منذ سنوات، ولا يظهر للعيان، ويتحرك في ظروف أمنية بالغة التعقيد، نظرًا لظروف الملاحقة والاستهداف يمكنه فعل الكثير لنصرة القدس والمسجد الأقصى، فأمثال هؤلاء وإخوانه من قادة الجهاز العسكري من غير المعتاد أن يتحدثوا للإعلام لكننا نجد أثر الفعل على الأرض بوضوح.

فإنه وبمجرد أن اندلعت المواجهة في القدس لم يكن قادة المقاومة بمنأى عما يجري هناك فليس معنى التخفي عن الأنظار لدواعٍ أمنية أن يصبح القائد بمعزل عن شعبه وقضايا وطنه؛ لذلك كانت الاستجابة فورية من "قيادة القسام" وبقية فصائل المقاومة لأنهم يعيشون جسدًا في غزة لكن روحهم حاضرة في القدس هناك.

فقد أرسلت قيادة المقاومة في غزة "برقيات ساخنة" لجبهة العدو كان منها: (1) بيانات التهديد، و (2) الصواريخ، و(3) قذائف الهاون، وتحريك الجمهور في غزة، لكن هذه الرسائل كانت متوازنة وتتناسب مع طبيعة الحدث، ولا تعكس حجم القدرة والقوة التي تدخرها قيادة المقاومة.

ففي المجالس الأمنية الخاصة التي يعقدها قادة الأركان في جيش الاحتلال والأجهزة الأخرى يدركون أن محمد الضيف ورجاله يرسلون تحذيرات بضرورة وقف العدوان في القدس وإلا فإن إحداثيات الصواريخ وقذائف الهاون ستأخذ وضعيات أكثر دقة، وربما يتعدى ذلك لدخول وسائل أخرى غير معهودة، لذلك فإن الاحتلال قرر عدم التصعيد وشعر بحقيقة المأزق بعد دخول غزة على خط الإسناد.