فلسطين أون لاين

​المواطن كحيل.. يحول القطع الصماء لـِ "أنتيكا"!

...
المواطن هشام كحيل (57 عامًا)
غزة- هدى الدلو

قطع خشبية صامتة متفاوتة الحجم، ويسودها الصمت والجمود، لكنها سرعان ما تدب الحياة فيها فتنطق، حين يضع بصماته الحرفية عليها، ففي ورشته الصغيرة رفوف حملت إبداعاً خشبياً لتحف وقطع أنتيكا، هذا عدا عن غيرها المتدلي بحبال من سقف الورشة، فما أن تطأ قدمك المكان تسرق نظرك دون استئذان..

هشام كحيل (57 عامًا) يسكن في حي التفاح الواقع شرق مدينة غزة، يقضي ساعات يومه يفرغ إبداعه الفريد من نوعه بداخل هذه القطع الخشبية ليصنع منها مشغولات يدوية، ليحاكي فيها أصحاب الأذواق الراقية والذين يهتمون بالتحف والأنتيكا.

في طفولته العم هشام كان كثير النشاط والحركة، وتميل نفسه للأشياء العملية، فقد كان له "شاكوش" صغير يمارس فيه هوايته الطفولية، وعندما وصل لمرحلة الثانوية فاجأ والده بقراره بأنه يريد الالتحاق بالمعهد المهني، جاراه والده ليكمل الثانوية العامة، وبعدها سيكون لكل حادثٍ حديث، "خاصة أن والدي وجميع إخوتي حملة للشهادات الجامعية، لذلك كان قبول والدي لاختياري صعبًا بعض الشيء".

فتخرج من المعهد عام 1976م، وعمل في مهنة النجارة في المناطق المحتلة 48 لفترة طويلة، وتنقل حاملًا فكره في النجارة في عدة بلدان عربية كالأردن والسعودية، ومع أحداث الانتفاضة الثانية عام 2000م عاد إلى القطاع لظروف.

فهذه كانت بداية طرف الخيط لإنشاء مشروعٍ خاص به، فافتتحت ورشة للنجارة في المنطقة التي يقطن بها، ليكون مصدر رزق له ولعائلته، وأضاف كحيل: "ففي بداية المنجرة كان تركيز الشغل على صناعة الأثاث المنزلي والمكتبي، و"دربزين" لمنابر المساجد والأدراج، فقد كان العمل بنظام الخراطة مغيبا في غزة".

وبعد سنوات من العمل في هذا المجال اضطر إلى التخفيف منه بحكم انتشاره، وقلة الاقبال عليه بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع، فما كان منه إلا أن تكون له بصمة في الإبداع خاصة أنه اختار مهنة النجارة عن "حب"، فتوجه نحو صناعة التحف الفنية الخشبية "الأنتيكا".

هدايا للأصدقاء

وتابع كحيل حديثه: "عندما خطرت في بالي عمل هذه المشغولات كنت أستخدمها كهدايا لأصدقائي، وكانت تلقى إعجابًا لم أتوقعه، فتوجهت لصناعتها، خاصة أنها تنقلني للماضي الجميل حيث الحنين والتراث الفلسطيني، فشعرت أنني بذلك أتمكن من الحفاظ عليه، وأن يبقى حاضرًا في ذهن الأبناء".

بين يديه التي فقدت إصبعًا أثناء اندماجه في العمل يمسك القطعة الخشبية ويشكلها كما تروق له، فالفكرة ما هي إلا وليدة اللحظة، فأوضح أن الخشب فيه مرونة وجمال، وبذات الوقت قوة وصلابة، فيصنع منه تحفا يدوية على شكل فخار، مدفع رمضان، ومجسمات أخرى.

وأشار إلى أن من أنواع الخشب المستخدمة خشب أشجار الزيتون والحمضيات والسرو، واللوزيات، وما تحتويه منى عقد خشبية داخلية يساهم في إضفاء لمسة من الجمال على التحفة.

فتلك الآلة التي يستخدمها قد صممها بنفسه لتتواءم مع مشغولاته، كما أنها يدوية رغم أنه يوجد منها ما هو على النظام الأوتوماتيكي, لكنها لا تعطيه حرية في التصميم، ورائحة الخشب التي بات يعشقها رغم آثارها السلبية على صحته البدنية، "فكأس حليب بعد يوم شاق من العمل ينهي الأمر".

وبين أن تلك المشغولات اليدوية تعيده إلى حنين الطفولة، كما أنها تحمل تفاصيلها المعالم الدينية من ناحية، وأخرى وطنية وتراثية، وحرفية، كمدفع رمضان، والقطار، والمفتاح، والفخار، ومنوهًا إلى أن عمله في الخشب يُشعره بشيء من الدفء والقرب من النفس، ويعبر عن مشاعره.

فكل قطعة خشبية كانت تضيف شيئًا جديدًا إلى شخصية كحيل، فمنها من علمته المثابرة، وأخرى طولة البال، والصبر، والدقة، ويمكن له من أي قطعة خام صماء أن يبعث فيها الحياة والروح.

وكحال أهل غزة فهو يعاني من الحصار المطبق عليها منذ أكثر من عشرة أعوام، وما له من تأثير عليه وعلى طابع البلد, والوضع الاقتصادي السيئ يقلل من إقبال الزبائن على مشغولاته، إلى جانب محدودية ساعات قدوم التيار الكهربائي، ويحلم كحيل بتطوير مشروعه الخاص، ويتمكن من تصدير التحف والمشغولات للخارج.