قائمة الموقع

​ثلاثة أيام في السّجن.. (3)

2017-05-26T14:20:39+03:00

كنت مع اثنين من الثمانية الموجودين هنا معتقلين الليلة، وبقية الشباب الذين معنا كانوا في عصيون من عدة أيام، وقد ذكروا أنهم يحضرونهم يوميًا من عصيون إلى هنا، وثم يعيدونهم، أحيانًا لعدم اكتمال التحقيق، واحيانًا لنفاد الوقت قبل دخول بعضهم، ومع ذلك، ومع صعوبة الرحلة كانت معنوياتهم عالية، وضحكاتهم تملأ (الكونتينر)، بينما كنت ساكتًا غير متفاعل بسبب الإرهاق والتعب الذي كنت أشعر به.

أحد الشباب اقترب مني وسألني: ألستَ فلانًا؟ فقلت له بلى، وظننته ممن سبق وسجنوا معي، فسألته عن ذلك فقال لي: لا، ولكني أعرفك عن طريق (الفيسبوك)، ولعل من الجميل أن يلتقي المرء ببعض أصدقائه (الفيسبوكيين) ولكن على أن لا يكون ذلك في مثل حالتنا تلك.

الزمن يمر بطيئًا ثقيلًا في تلك الحالات، ولا تتم المناداة على الشباب للتحقيق إلا في أوقات متباعدة، إذ هناك أيضًا قفص يوضع فيه الأسرى القادمون من سجن (عوفر) للتحقيق، وكأن الأولوية في الخروج إليه تكون لهم.

جاء دوري، وتم استدعائي للتحقيق عند الشرطة التي تستجوب المعتقل لكتابة إفادته، وأنت تصل إلى مكتب الشرطة بعد تفتيش دقيق جدًّا بشكل مبالغ فيه، المهم: يقوم المحقق بعد تعريف نفسه بإخبارك بحقوقك، ومنها: حقك في الصمت وعدم الإجابة مع التحذير من أنه قد يكون لذلك انعكاسات سلبية عليك في المحكمة، وحقك في التواصل مع محاميك.

للأسف فكثير من الأسرى لا يحاولون الاستفادة من هذه الحقوق، ويحاول المحقق التنصل منها، وقلة منهم هي من تحاول الاتصال بمحاميها أثناء التحقيق، ولأن من حق الأسير أن يستشير محاميه قبل التحقيق، فقد طلبت من المحقق الاتصال بمحاميّ، فسألني عن رقمه، فقلت له لا أحفظه، ولكنه موجود عندكم، وسبق أن طلبته من هنا عدة مرات، فاضطر تحت إصراري للاتصال بمكتب آخر فزودوه برقم المحامي، فتحدثت معه، وشرحت له الوضع، وطلبت منه إبلاغ أهلي بمكان وجودي، ثم طلبت من المحامي أن يطلب من المحقق السماح لي بالاتصال بالأهل لإبلاغهم بمكان وجودي، وهذا حق من حقوق المعتقل، فاضطر المحقق للسماح لي بذلك فاتصلت وطمأنتهم، وأخبرتهم بأن وجهتي بعد التحقيق ستكون سجن (مجدّو).

أسئلة بلا أساسات

الأسئلة التي في التحقيق هي نفسها التي يتم سؤالي إياها منذ سنة 20088، ففي اعتقالاتي الإدارية سنة 2009، 2011، 2014، 2016 تم توجيه نفس الأسئلة لي، ومجملها يدور حول فكرة هل أنا نشيط في تنظيم معاد وهل شاركت بفعاليات لهذا التنظيم وهل لي علاقات من نشطاء هذا التنظيم، وهي أسئلة يعرف سائلوها أن لا أساس يستندون عليه فيها، ولكنه إجراء شكلي – في العادة – لتبرير الاعتقال الإداري، إذ تعودنا في محكمة تثبيت الاعتقال الإداري أن تقول النيابة إنه قد تم التحقيق مع المتهم وأنكر التهم الموجهة إليه، ثم تقدم تلك الإفادة دليلًا على إجراء التحقيق.

انتهى التحقيق الشكلي هذا، وكان لا داعي لأخذ بصماتي، فهي عندهم مسبقًا من "السجنات" الماضية، أما الصورة الشخصية للملف فهي ضرورية لأن شكلك يتغير بينما بصمتك لا، وهكذا عدت إلى (الكونتينر) لانتظار انتهاء التحقيق مع بقية الشباب.

خلال وجودنا وحين دخل وقت صلاة الظهر، كنت لا أزال أحتفظ بوضوئي، إذ توضأت في (عصيون) قبل خروجي، أما بقية الشباب فتيمموا للصلاة، وكنا ثمانية، صلى منا سبعة، والثامن كان لا يصلي، وقد صليت بهم الركعة الأولى واقفين والثانية ونحن جلوس، وقديمًا كنت أصلي الصلاة كلها واقفًا، وأتحامل على نفسي للقيام من السجود في كل الركعات رغم القيود في اليدين والقدمين، وقد فعلت ذلك في سجنتي الأخيرة سنة 2016 ولكني شعرت بمشقة شديدة، فالعمر والوضع الصحي يجعلان قدرتك على التحمل أقل، ولذلك آثرت الأخذ بالرخصة هنا في هذه الحال.

كان الشاب الذي لا يصلي مزعجًا خلال وجوده معنا للأسف الشديد، فلسانه بذيء، ورغم أنه لم يكن المدخن الوحيد من الموجودين، إلا أنه ظلَّ يصيح طوال وجودنا يطالب بسجائر ليدخنها، ويتذلل لأجل ذلك أحيانًا، رغم أنه كان قد امضى فيما قال نحو (3) سنوات في السجن سابقًا، ولله في خلقه شؤون.

حلَّ المساء، واقترب أذان المغرب، وانتهى التحقيق مع أغلب الشباب سوى واحد تم تأجيله للغد، وغادرنا (عصيون)، الشباب السبعة الذين كانوا معي إلى سجن (عوفر) وأنا إلى سجن مجدو في بوسطة وحدي.


يُتبع..
اخبار ذات صلة