كثير من الذنوب التي نقترفها نرجع سببها إلى نزغات الشيطان، وننسى أن النفس أمَّارة بالسوء إلا من رحم الله (تعالى)، فكيف نستدل على نقائص هذه النفس وسلبياتها؟ وكيف نعالجها؟ في شهر رمضان ننكشف أمام أنفسنا، فلا مجال لأن نلقي باللوم على الشيطان؛ فقد حُبس مقرّنًا بالأصفاد فلا سلطان له علينا، وبذلك أي سيئة نقترفها في رمضان هي -لا شك- من أمراض هذه النفس.
فمن كان يريد العلاج يستطيع أن يشخِّص المرض بنفسه، وأن يضع يده على الجُرح الكامن في خفايا نفسه فيؤدبها ويفطمها عن غيها ومعاصيها، خاصة إذا تذكر قول رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"، فإذا كنا نمتنع عن الطعام والشراب والشهوة الحلال في نهار رمضان؛ فمن باب أولى أن نمتنع عن كل الحرام في أيامه ولياليه.
فرمضان مدرسة ربانية ودورة تدريبية لمن أراد التغيير، فقد قال الله (تعالى): "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم" (الرعد:11)، ولهذه الآية معنيان، أما الأول فهو أن الله تعالى لا يسلب نعمةً أنعمها على عبده حتى يُغيِّر هو من الطاعة إلى المعصية، ومن شكران النعمة إلى كفرانها، ويؤيِّد هذا المعنى قول الله (تعالى): "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال:53)، ويا للأسف، كثير من الناس لا يعلمون مصدر شقائهم في هذه الدنيا، وأنَّ الذنوب تورث النِقَم وتُزيل النِعَم.
أما المعنى الثاني: فهو أن بداية التغيير تبدأ من أنفسنا، ولا يمكن أن يُغِّير الله تعالى ما بنا من سوء إلا إذا سعينا للتغيير إلى الأفضل، ويؤيد ذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "قَالَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ): "إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا -أَوْ بُوعًا- وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"؛ فالخطوة الأولى ولو بشبر يجب أن نبدأها نحن.
فمن قطع أرحامه ولم يصلها في رمضان فمتى يكون ذلك؟! ومن كانت لديه أخلاق ذميمة مثل الكذب، والغيبة، والنميمة، والحسد، والغضب والسباب والشتائم، وإدمان التدخين والمخدرات ... ولم يتب إلى الله (تعالى) منها، فهل سيمتنع عنها في غير رمضان؟!