لم تنحنِ صلابة الفتى المقدسي بشار شويكي ابن الستة عشر ربيعًا رغم ألمه بعدما انهال عليه جنود الاحتلال بالضرب على قدمه ويديه، وكأنَّ "درويش" تغنى بمشيته حين قال: "علمني شموخ الشمس قبل قراءة الكتبِ وبيتي كوخُ ناطورٍ من الأعوادِ والقصبِ (...) وكفّي صلبةٌ كالصخرِ تخمشُ من يلامسُها".
مشهد وثَّقته عدسات الكاميرات، وتفاعل معه الرأي العام المحلي والعربي، معلنًا ولادة صورة "بطل" وأيقونة هبة "باب العمود".. معضلة باتت الاحتلال يواجهها في كل نار يوقدها.
والفتى هو نجل المحرر إياد شوكي الذي أمضى نحو عشر سنوات في سجون الاحتلال، وأفرج عنه عام 1999 لضلوعه في أعمال مقاومة من بينها مهاجمة مستوطنين وحرق مركباتهم والمشاركة في عدة فعاليات في المدينة، جينات ورثها بشار عن والده.
تفاصيل مشهد
كانت الصورة نهاية مشهد، يعيد بشار رسمه عبر خط الهاتف لصحيفة "فلسطين"، يزيح الستار عن تفاصيل لم توثقها الكاميرات: "ذهبت لصلاة العشاء والتراويح في المسجد الأقصى مع والدي وأعمامي، وبعد انتهاء الصلاة، تفاجأت بقنابل غاز ورصاص مطاطي فترفقت عن أهلي، وبينما كان الشباب يركضون من شرطة الاحتلال سقطتُ أرضًا فباغتني نحو سبعة جنود وانهالوا عليَّ بالضرب".
لا يزال يرسم بقية المشهد، بلهجة عامية يحرك تفاصيله: "حاولت أدافع عن حالي، بس كانوا كتار"، مستحضرًا صورة حواره مع الضابط: "سألته: ليش معتقليني؟ ليش ماسكيني؟ فرد علي بعدما ضربوني: امشِ واخرس".
بينما كان بشار مقيدًا يُقتاد إلى مركبةٍ عسكرية إسرائيلية، تفاجأت والدته من أصوات الإسعافات والصراخ عبر طرف سماعة الهاتف الأخرى حينما اتصل بها شقيقها، يخبرها بالتفاصيل: "بشار تعرض لإصابات وضرب عنيف؛ بدنا نحمله على مستشفى هداسا بالعيسوية، المسعف بده ياخد إذنك كونه قاصر لنقله للمشفى"، أعطت أمه الإذن للمسعف الذي أفزع قلبها بصوت لاهث: "خيتا.. تعي اطلعي على المشفى ابنك متعرض للضرب" كلامه ذهب بمخاوفها إلى سيناريوهات أبعد من الضرب، مرت عليها خلاله صور جرائم ارتكبها جنود الاحتلال بحق شباب وأطفال مقدسيين.
اقتاد أفراد شرطة الاحتلال في باب العمود بشار إلى مركز توقيف "المسكوبية" غرب القدس المحتلة، وقبلها أخذه الهلال الأحمر الفلسطيني إلى المشفى لإجراء فحوصات طبية، ثم حقق معه بالمسكوبية لعدة ساعات بشأن سبب وجوده في الأقصى وباب العمود، وأخلي سبيله بشرط الإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة وما وحولها لمدة شهر كامل بعدما سحبوا هويته.
وبشأن تفاعل رواد شبكات التواصل مع صوره، قال: "تفاجأت بانتشار الصورة، لأن وقفتي كانت عفوية.. الجميع يمدحني بكلمات مثل: "أسد ابن أسد".. هذا حفزني، فالقدس لي وأنا لها، وسأحميها بكل شيء فالأقصى أقصانا (...) وشباب القدس دائمًا رأسهم مرفوع".
صمود وتحدٍ
ويحرص بشار، الذي يسكن بحي "الثوري" القريب من البلدة القديمة، وعائلته على الإفطار في المسجد الأقصى وصلاة التراويح فيها، وفي طريق عودته يتأثر بمشاهد اعتداء جنود الاحتلال على المصلين، مستحضرًا مشهدًا علق بذاكرته: "رأيتُ جنديًا يضرب شيخًا كبيرًا في السن، فلم أستطع تحمل ذلك، فذهبت مع عدة شباب ولقنّاه درسًا".
وما بعد الصورة اختلف عما قبلها، تغير مجرى حديثه بعدما ابتسم صوته بضحكة طارت منه: "خرجت من المنزل بالأمس بعد الحادث الذي جرى في 22 أبريل/ نيسان لحارتي، فكل الناس تريد أن تتحدث معي، بعضهم يريد معرفة التفاصيل، أو التقاط صور، الجيران فتحوا أبوابهم لي للاستضافة".
وبالنسبة لبشار فانتشار صورته واعتباره "أيقونة هبة باب العمود" شرف يحفزه على الاستمرار في الدفاع عن الأقصى.
في حين يتزاحم الفخر بين ثنايا صوت والدته التي تقول: "أرسل لي أخي الذي التقط المشهد، الصورة عبر تطبيق واتس أب (...) لم أتأمل تفاصيلها بسبب خوفي على بشار ولكن تفاجأت بانتشارها".
ولم تستغرب الأم مشية ابنها فهي تراه كل يوم، مُقرِّةً: "هذه طبيعته في البيت والمدرسة والمنطقة التي نعيش فيها، فلديه شخصية وحضور وهيبة من الله، وهو صاحب كلمة حق لا يخشى لومة لائم، ويصر على إظهار الحق سواءً في البيت مع إخوته أو في أي مكان يوجد فيه".
وتضيف معبرة عن فخرها به: "دائما كأي طفل وشاب مقدسي يشارك ويدافع عن الأقصى، أفتخر أن ابني دائما صامد هكذا، وأحمد الله على النعمة التي أعطاني إيها، وكل شباب القدس مثله يرفعون الرأس وليس غريبا عليهم حب الوطن".