فلسطين أون لاين

زهرةٌ رمضانية (12-13)

...
بقلم الأسير: سامح سمير الشوبكي - سجن ريمون الصحراوي

(12 جنون

قبل اثنين وعشرين عامًا بالتقدير، وفي مدينتي المحاصرة بالأسوار الاحتلالية (قلقيلية) اعتدت السير في أحد الشوار الفرعية مرارًا وتكرارًا في اليوم الواحد، على أحد جدران هذا الشارع الجانبية كان مجهول قد رش بالدهان وبالخط العريض وباللون الأسود جملة تقول: "أيها العالم من الجنون أن تكون فلسطينيًّا، ولكن من الجنون ألا أكون أنا فلسطينيًّا".

وفي كل مرة عبرت فيها الشارع وقفت خصيصى لقراءة هذه العبارة التي أجهل من قالها ثم أمضي في سبيلي ثانية، وكنت أسأل نفسي وكأني أبحث عن إجابة للغز ما: لماذا من الجنون أن يكون العالم فلسطينيًّا؟! وهل فعلًا إذا فقد الفلسطيني فلسطينيته سيكون هذا حدثًا يدعو إلى الجنون؟! ولا أعلم هل وقتها وفقت إلى إجابة، ولكن الأكيد أنني كنت أجد متعة خفية وأنا أقرأ هذه العبارة محاولًا الإجابة عن لغزها.

ولا أخفي عنكم سرًّا إذا قلت أنني لا أزال إلى لحظتي هذه أجد المتعة نفسها بنضوج أكثر، كلما خطرت في بالي هذه العبارة، لماذا؟ ربّما أعرف، فهل تعرفون؟

في رمضان الولاء والاتصال الروحي دعونا نجدد وحدة المصير مع أرض الرباط ومهبط الأنبياء.

(13 بكاء

عندما تهرول الدموع من العين تكون لأسباب حزينة أو سعيدة، وأنا أرى أن البكاء عادةً تهذب وتعيد ترتيب الإنسان في داخلنا، لذلك إن النساء شريكات الرجال على كوكب الأرض أكثر إنسانية وودًّا وعاطفة وشفقة من الرجل؛ لأنهنّ يحسنّ البكاء عند الحاجة.

وهنا يأتي السؤال الحساس: هل يبكي الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال؟ وبحثًا عن إجابة توجهت في يوم من أيام الأسر إلى أحد الإخوة من قدامى الأسرى (أبي آدم)، دون مقدمات قلت له: "أريد أن أسألك سؤالًا"، قال مبتسمًا كعادته: "تفضل"، فقلت: "متى آخر مرة بكيت فيها؟"، قال: "أنا لم أبك منذ 30 عامًا"، قلت مستنكرًا: "هل تمزح؟"، قال بإصرار: "صدقني أنا منذ 30 عامًا لم أبكِ؛ لأن دموعي تحولت إلى يقين بأن ما عند الله خيرًا وأبقى"، قال شيئًا قريبًا من هذا بثقة عالية وراح يسترسل في الشرح، ولا يزال صدى كلامه يتردد في مسامعي، فهل هذا يعني أن الأسرى الفلسطينيين لا يعرفون البكاء؟ الجواب: نعم ولا.

نعم، لا يبكي الأسير الفلسطيني جزعًا وخوفًا وندمًا وقلقًا وحرمانًا ويأسًا وغربًة ونسيانًا وتجاهلًا وخذلانًا إنسيًّا، لا يفعل ذلك، ولكنه يفعل شيئًا آخر حين يتسلل منه بوقار رجولي مهيب ندى العين الدامية وهو يناجي ربه شكرًا عند توديع حبيب ورفيق معاناة إلى الحرية، أو يناجي خالقه مغفرة للراحلين إلى دار البقاء من الأهل والأقرباء.

في رمضان الخشوع احذروا البكاء على الدنيا، وابكوا ما استطعتم في ليالي المغفرة من خشية الله (تعالى).