على بُعد شهر من موعد إجراء الانتخابات التشريعية في الأراضي الفلسطينية، لا يزال الغموض سيد الموقف بشأن إمكانية نجاح الفلسطينيين في إنجاز هذا الاستحقاق الانتخابي، أو نجاح (إسرائيل) في عرقلته في حال أصرّت حكومة بنيامين نتنياهو على عدم السماح للمقدسيين، سكان القدس الشرقية، بالمشاركة في الانتخابات، وهو الأمر الذي تُصر السلطة الفلسطينية عليه، مع تأكيدها عدم القبول بإجراء الانتخابات في سائر الأراضي الفلسطينية من دون مشاركة القدس المحتلة فيها ترشيحًا ودعاية وتصويتًا، مع اعتبار هذه المشاركة مسألة سياسية بالدرجة الأساسية، وليست فنيّة أو تقنيّة.
وإزاء ذلك، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام ثلاثة سيناريوهات، فإما أن توافق (إسرائيل) على سير الانتخابات بمشاركة المقدسيين كما جرت انتخابات الأعوام 1996 و2005 و2006 ضمن ترتيباتٍ خاصة، متفق عليها بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو أن ترفض (إسرائيل) السماح بإجراء الانتخابات في القدس، على اعتبار أن وضع المدينة تغّير بعد اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس الموحدة عاصمة لـ(إسرائيل) عام 2017، وانتهاء صلاحية "اتفاقية المرحلة الانتقالية" المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل) والموقعة في واشنطن في 28 سبتمبر/ أيلول 1995، والتي تضمنت ملحقًا خاصًا يتعلق بالانتخابات الفلسطينية، جاء في نصه "يتمّ الاقتراع في شرق القدس في مكاتب بريد تتبع سلطة البريد الإسرائيلية". ويكون السيناريو الثالث بتأجيل الانتخابات أو إلغائها.
وتتلخص المواقف حتى اللحظة في إصرار رئيس السلطة محمود عباس على تنظيم الانتخابات في الأراضي الفلسطينية كافة، بما فيها مدينة القدس المحتلة، ويحاول أبو مازن حشد المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، من أجل الضغط على الحكومة الإسرائيلية للالتزام بالاتفاقيات الموقعة في ما يخص العملية الانتخابية. أما موقف (إسرائيل) فلا يزال في المربّع الرمادي، ولم يصدر عن حكومتها موقف واضح لناحية السماح بإجراء الانتخابات في القدس أو منعها. ويتأرجح الموقف الأميركي بين التشجيع على تنظيم الانتخابات لإنهاء حالة الجمود التي هيمنت على النظام السياسي الفلسطيني المنتهية ولايته والتخوف من نتائج الانتخابات مع تردّي حالة حركة فتح الذي سيؤدي، إن لم يعالَج، إلى تكرار ما حدث في انتخابات 2006، أي فوز حركة حماس.
وعلى الرغم من الإجماع الفلسطيني على أهمية مشاركة سكان شرق القدس في الانتخابات الفلسطينية، واعتبار القضية بابًا من أبواب المقاومة السياسية لإفشال خطط ضم القدس، إلا أن هذا الإجماع لا يتحقق خلف فكرة تأجيل الانتخابات أو إلغائها إذا رفضت (إسرائيل) السماح للمقدسيين بالمشاركة في انتخابات 22 مايو/أيار المقبل. بل ترى أطراف فلسطينية ضرورة جعل الانتخابات التشريعية ساحة للاشتباك مع الاحتلال على الأصعدة كافة، ومنع السلطة الفلسطينية من إلغاء الانتخابات بذريعة الإصرار على مشاركة المقدسيين، مع التحذير من استخدام هذه القضية الحساسة للتهرّب من استحقاقٍ قد يخشى حزب السلطة، حركة فتح، من خسارته لأسباب كثيرة. وتذهب شريحةٌ واسعةٌ من الجمهور الفلسطيني إلى الدعوة لفتح مواجهة مع الاحتلال عبر تجاوزه، سواء قَبِل بإجراء الانتخابات أو رفض، ويكون هذا التجاوز بوضع صناديق التصويت في كنائس المدينة ومساجدها وشوارعها، أو إجراء التصويت في مباني بعثات دولية. والهدف في الحالتين تحدّي الاحتلال بإجراء الانتخابات بعيدًا عن البريد الإسرائيلي، في حال وافقت (إسرائيل) على إجراء الانتخابات كالمرات السابقة، ثم وضع العالم أمام حقيقة وضع المدينة المحتلة، في حال رفض الاحتلال السماح للمقدسيين بالتصويت.
مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، تتناسل أسئلة، سيناريوهات، أخرى، تحاول إخراج الانتخابات من مأزق القدس، مع عدم إخراج القدس من المعادلة الفلسطينية. ومن هذه الأسئلة؛ إمكانية إجراء الانتخابات بدون مشاركة المقدسيين، مع الاحتفاظ بمقاعد شاغرة لممثلي القدس في المجلس التشريعي؟ أو إمكانية ملء مقاعد القدس بنواب مقدسيين، يتم اختيارهم أو تعيينهم بتوافق شخصيات المدينة وأهاليها؟ والسؤال الأخير، إمكانية تصويت المقدسيين في مراكز اقتراع في الضفة الغربية.