اليوم ريان ليس مثل عادته هادئ جدًّا جدًّا جدًّا إلى درجة أن من يسير بجانبه لا يشعر بوجوده إلا من أنفاسه العميقة، إذ إنه يجلس في زاوية من غرفته ويضع رأسه على يديه بعد أن وضعهما على قدميه وهو يضمهما إلى صدره.
كان جدو ينادي: "أين أنت يا ريان يا حبيب جدو يا عيون جدو؟"، في هذه اللحظة قطع صوته الحنون صوت حفيدته ديما، وكانت ليست مثل عادتها إذ صوتها خافت جدًّا وهي تقول: "جدو، جدو".
وجدو كما يحب ريان يحب حفيدته ديما كثيرًا، فكان يجيبها وهو يقول: "يا قلب جدو يا ديما، يا عيون جدو يا دمدومتي".
لكن حال ديما لم يكن على ما يرام؛ فصوتها حزين؛ فسرعان ما حملها وقبلها وضمها إلى صدره الحنون، وقد ارتسمت على ملامحه علامات الاستغراب لحال ديما، وسرعان ما سألها: "ما حل بك يا دمدومتي؟ لماذا أنت حزينة؟".
فكانت إجابتها سريعة: "جدو، ريان لم يلعب معي ولم يخرج من غرفته اليوم".
في هذه اللحظة قلق جدو على حال ريان ليذهب مسرعًا إلى غرفته، وأخذ بنظرة يتفقده فوجده يجلس في ركن الغرفة، وهو في حال لم يألف رؤيته بها من قبل.
فأخذ جدو ينزل على ركبتيه تجاه ريان ويضع يده على رأسه ويسأله: "ماذا حل بك يا ريان؟ لماذا تجلس بهذه الطريقة؟".
هنا رفع ريان رأسه وشعر براحة كبيرة بمجرد أن اقترب منه جدو، فأخذ يحتضنه وهو يبكي بكاء شديدًا، هنا أخذت دقات قلب جدو تزيد بالنبض فأخذ ينتابه القلق، لكن سرعان ما أخذ يردد عليه آيات من القرآن الكريم حتى ترتاح نفسه.
وما هي إلا دقائق حتى هدأ ريان وأخذ يردد: "قصي يا جدو، قصي"، سرعان ما علم جدو أن الأمر يتعلق بصديقه العزيز قصي، فبادر بالسؤال عما حدث لقصي.
هنا صمت ريان قليلًا، وأخذ نفسًا عميقًا ليتكلم بحروف متقطعة: "قصي أصابته كورونا يا جدو".
في هذه اللحظة لم يتكلم جدو؛ بل احتضن ريان ووضع يده اليمنى على ظهره حتى يشعر بالأمان حيث أغمض ريان عينيه وأخذ يحتضن جدو بقوة.
هذا الوضع أخذ من الوقت الكثير؛ فالمهم في هذه اللحظة هو أن يطمئن ريان حتى يستطيع جدو الحديث إليه.
وحينما شعر جدو أنه من الممكن الحديث إلى ريان ابتسم في وجهه حتى يعطيه الشعور بالراحة وعدم القلق، وأخذ يتحدث إليه: "ريان يا عيون جدو، لا تقلق قصي سيكون بخير، والآن المطلوب منك أن تسأل الله تعالى له الشفاء وأن يحفظه وعائلته".
وأخبره أن الله الرحمن الرحيم هو الشافي وهو أرحم به من العالمين، لذلك عليه أن يكثر الدعاء لأجله.
وحتى يطمئن أكثر أجرى جدو محادثة مع والد قصي ليطمئن عليه، وكانت المكالمة تبشر بالخير أنه بدأ يتعافى وأيام قليلة وسينتهي المرض بإذن الله تعالى، الأمر الذي جعل ريان يقفز فرحًا وهو يردد: "الحمد لله والشكر لله رب العالمين"، خاصة أنه أخذ يحدثه عبر الهاتف، ويخبره بأنه بخير ومشتاق له كثيرًا.
وسرعان ما عادت البسمة الجميلة على ملامح ريان وجدو، وأخذت ديما تقفز من حولهما فرحًا، وفي هذه اللحظة أخذ جدو يسجد حمدًا وشكرًا لله رب العالمين، وسرعان ما تبعه بالسجود ريان وديما.