رغم اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقررة في شهر مايو/ أيار القادم، فإن ملف إجرائها في مدينة القدس ما زال عالقًا ولم يجد طريقًا للحل، في وقت تستجدي فيه السلطة الفلسطينية الملتزمة اتفاقية أوسلو، دولة الاحتلال بالموافقة على السماح للمقدسيين بالمشاركة ترشيحًا وتصويتًا.
ويُقسِّم الاحتلال شرقي القدس المحتلة إلى منطقتين هما: (J1 وهي داخل جدار الفصل العنصري، و J2 خارج الجدار)، وبناء عليه ينتخب المقدسيون في المنطقة داخل الجدار من خلال مكاتب البريد الإسرائيلية، وبقية أهل القدس ينتخبون خارج حدود المدينة.
ويرفض الشارع الفلسطيني إجراء الانتخابات عبر مكاتب البريد الإسرائيلية، وإنما عبر وسائل أخرى تحت إشراف لجنة الانتخابات، في حين أن السلطة ما زالت "لم تحرك ساكنًا" بهذا الخصوص، وتنتظر الموافقة الإسرائيلية على إجراء الانتخابات.
تجدر الإشارة إلى أن ما تسمى "اتفاقية المرحلة الانتقالية" المبرمة بين منظمة التحرير و(إسرائيل) والموقعة في واشنطن عام 1995 تضمنت ملحقًا خاصًا يتعلق بالانتخابات الفلسطينية جاء في نصه "يتم الاقتراع في القدس الشرقية في مكاتب تتبع سلطة البريد الإسرائيلية"، وهو ما يرفضه الشارع الفلسطيني.
وفي ظل حديث مسؤولين في السلطة بشأن إمكانية تأجيل الانتخابات إذا لم يوافق الاحتلال على إجراءها في مدينة القدس، يبقى التساؤل القائم، لماذا تتمسك السلطة بأوسلو ولم تستجب لقرارات المجلسين الوطني والمركزي للتحلل منها وسحب الاعتراف بالاحتلال؟
وسبق للفلسطينيين من سكان القدس أن شاركوا في الانتخابات في الأعوام 1996 و2005 و2006، ضمن ترتيبات خاصة متفق عليها، اقتُرع بموجبها في مقرات "البريد الإسرائيلي" وبإشراف موظفي البريد نفسه، وفق الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات.
قضية سياسية
وبيّن عبيدات خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن القضية الأساسية حاليًا هي إجراء الانتخابات في التجمعات المقدسية داخل جدار الفصل العنصري ترشيحًا وانتخابًا ودعايةً تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية في البلدات والقرى الخاضعة لسيطرة الاحتلال، من أجل كسر الرؤية الإسرائيلية بأن القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
ونبّه إلى أن موعد الانتخابات الذي يوافق 22 مايو القادم يصادف يوم سبت، حيث تكون مراكز البريد مغلقة، فضلًا عن أن حكومة الاحتلال لم ترد على الطلب الفلسطيني لإرسال بعثة الاتحاد الأوروبي للمراقبة على الانتخابات، وقد لا توافق أصلًا على إجراءها.
ورأى عبيدات أن مسألة إجراء الانتخابات في القدس هي "تثبيت موقف سياسي ولا يجوز التخلي عنها، كي لا تضرب وحدة الشعب والأرض والمرجعية القانونية والتاريخية والوطنية".
وأكد ضرورة "أن يكون هناك التزام شعبي جماهيري تجاه خوض الانتخابات في القدس وفتح مراكز اقتراع في المساجد والكنائس والمدارس، أو فتح سفارات وقنصليات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وتوفير الحماية للفلسطينيين".
وأشار إلى أن المسألة ليست في آليات كيفية تصويت المقدسيين، إنما في البُعد السياسي بأن القدس مدينة محتلة وفق القانون الدولي.
وشدد على أن الأساس هو "التحلل من أوسلو وفق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، ولكن ما جرى في القاهرة لم ينص على ذلك، إنما تم التركيز على آلية إجراء الانتخابات".
واعتبر إجراء الانتخابات تحت سقف أوسلو "كارثة"، لذلك يجب التحلل منها لكونها تخدم الاحتلال في التنسيق الأمني وتوفر له الحماية وغير ذلك، مؤكدًا "يجب على المجتمع الدولي والشرعية الدولية أن تمارس ضغوطًا جدية على الاحتلال لإجراء الانتخابات في القدس".
تضليل مقصود
ويقول بسام أبو شريف المستشار السياسي السابق للرئيس الراحل ياسر عرفات: إن اتفاقية أوسلو تُقسم القدس إلى قسمين، في حين ما زالت السلطة تتمسك بها، معتبرًا ذلك "تضليلا مقصودا".
وبيّن أبو شريف خلال حديثه مع "فلسطين"، أن الانتخابات في القدس ومشاركة المقدسيين "قضية ممكنة" من حيث المبدأ، وهناك وسائل متعددة لترتيب ذلك، مستدركًا "إن ما يريده البعض هو أن تُرتب الأمور لتأتي بنفس النتائج والوجوه التي لم تفعل شيئًا لاستنهاض ثورة شعبية في القدس".
وأضاف أن "ما نصّت عليه أوسلو نحن نسقطه، ونرفضها، لأنها كمين أراد منها الاحتلال تحويل منظمة التحرير إلى جهاز أمني لحماية (إسرائيل) وتحويلها لأداة حاكمة ومتحكمة".
وبحسب أبو شريف، يُمكن إجراء انتخابات في القدس دون رأي (إسرائيل) وانتظار قرار منها، وذلك عبر ترتيب طرق وآليات أخرى بإشراف مؤسسات دولية، مؤكدًا رفضه استمرار السلطة في استجداء الاحتلال للسماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات في القدس.