أما شهدتُم إعدام الطفولة التي يسببها القيد في نفس أسيرٍ لم تعدوا سنين عمره بعد، إذ تخطفه قبضة القهر عن مقاعد مدرسته لِتُلقيه على صخرة الانكسار.
وبعدُ يا كِرام.. فالأسرى لا يطلبون منكم استعطافًا ولا يستجدون لهم ذكرًا أو لأسمائهم تظهيرًا.
هم يريدون الحفاظ على الأمانة التي بذلوا أعمارهم وسني شبابهم لأجلها.
وأمانةُ الأسرى هي فلسطين، فلسطينُ القداسةُ والطهارة العقيدةُ والبشارة
والتاريخ الذي لا تحوطُهُ حدودُ الجغرافيا، بوابةُ السماء وبركةُ الأرض، مهوى الرسالات
وقِبلة العاشقين التي لأجلها كُتِبَ القصيد وعُزِفَ النشيد وقضى الشهيد.
فلسطينُ التي عشِقَها نائل، أسَرَتْهُ قبلَ أن يأسِرَهُ أي أحد، وهيهاتَ لِمَن أسرَهُ حب فلسطين أن ينعتِق،
أحب زيتونها وداعبَ حنونَها، تحنى بِطينها فأترعتْهُ مِن حنينِها، اشتاقتْ لهُ البيادرُ والجداول، واغتبطتْ مِن شقارِ جبهتهِ امتداداتُ السنابل.
ألا فاحفظوا وصيةَ نائل، ولقنُوها لأولادِكُم كما تُلقنوهم مخارجَ الكلام.
وإياكم وأن تكون قِصَصُ ما قبل المنام، فلا نُريدُ جيلًا مُخَدرًا ناعِسًا يغفو عن وجعِ الأرضِ ويستكينُ لِعَذاباتِ الثكالى.
حَدثُوهُم عن صبرِ نائل، عن سنينه وأيامِه، عن آمَالِه وأحلامِه.
نائلُ الذي في سجنهِ انهارت دولٌ وقامَتْ مَمالِك، تغيرت عُروشٌ وتضخمت كروشٌ، وبانت سوأةُ أصحابِ الخنى من أولئك، نائل الذي استسلمتْ بواباتُ زنزانته لاحتلالات الصدأ، فاستُبدِلَتْ مراتٍ ومرات، وهو صامدٌ يُواجِهُ عواتي السنين بفكرِ المُحارِب وقلبِ المحب، ويقين المؤمن، بحتميةِ النصر والتحرير.
نائلُ الذي قذفَ طلائع وَهنِنا بحجره الأول عن سطح منزله عام النكسة، هو ذاتُ نائل الذي يحفَظُ مسارَ نجمَتِهِ اليوم وهو يُطالِعُها مِن سجنهِ مُتعامدةً فوقَ ذاتِ المنزلِ الذي شَهِدَ وِلادَتَهُ وذكريات الصبا،
وهو ذاتُ نائل الواثق بأن بارود الرجالِ وعزمَ المُخلِصين الذين كسروا قيدَهُ في عهدِ الوفاءِ الأول
سيكسِرون بأمرِ اللهِ كُل القيود لِتغدوا السجون شاهدةً على متوالية الفتوحات التي تسيرُ نحو القدسِ بثباتٍ ويقين.
"ويسألونكَ متى هو قُل عسى أن يكونَ قريبًا".
نائل البرغوثي تواريخ وأرقام:
تاريخ الميلاد: ٢٣/١٠/١٩٥٧
تاريه الاعتقال: ٤/٤/١٩٧٨
تاريخ الإفراج: ١٨/١٠/٢٠١١
تاريخ الاعتقال الثاني: ١٨/٦/٢٠١٤
٤١ عامًا في الاعتقال
٨٢ عيدًا.. ٤٩٢ شهرًا.. ١٤٧٦٠ يومًا
١١٠٠ يوم مجموع الإضرابات عن الطعام
١٣ عدد السجون التي أكلت من عمر نائل.